يتجه حديثي عندما أرى نصاً يرد في رواية متواترة لقراءة قرآنية تخالف قواعد العربية يتجه لإظهارالآية بموقف أهل السنة والجماعة ليجلى لنا التفسيرالصحيح كما ينبغي . ويرتكز مبحثي دائماً على الاعتماد على النصوص القرآنية في اشتقاق القواعد النحوية ، لأن عكس هذا الاتجاه يُظهر موقف النحويين من النصوص التي لا تتفق مع قواعدهم النحوية وكأنها معارضة ،أو طعناً في القراءات السبعية المتواترة ، لتغليبهم القاعدة النحوية التي اشتقوها، غافلين عن كون كل قراءة إلا ولها وجهه صحيح في العربية كما قال ابن خالويه.فلا ينبغي تصحيح القراءة بهذه القواعد بل يجب تصحيح القواعد بناء على قراءة الائمة السبعة المعروفين بصحة النقل وإتقان النقل والحفظ في الرواية واللفظ. فلا يجوز لأحد اعتبارها خطأ لغوياً .انظر هنا
إن تغلييب القاعدة على القراءة القرآنية المتواترة أفرز ظاهرة التأويل ؛ مما أفضى إلى إفساد وإضلال لمراد الله في الآية كما جاء على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكما فهمه أصحابه رضوان الله عليهم ، على أننا نلتمس لهم الاعذار في ذلك - حسناً للظن - بأنهم يوجهون سهام انتقادهم إلى اللغة التي وفقها القراءة وليس إلى القراءة نفسها. فوصف اللغة في هذه القراءات(1) لا يعني عدم صحتها وإنما يعني أنها ليست أجود اللغتين ، انظر :اتصال الفعل بعلامة التثنية والجمع . ولغة العرب في قبيلة بلحارث بن كعب ، وطيء ، وأزد شنوءة
لهذا جاءت كتابتنا المتواضعة هذه لتصبّ في هذه الاتجاه، وتسلّط الضوء في سلسلة مقالات « حروف وأساليب بلاغية ضلت بها الفرق» :
1- انظر » تقارب لام التعليل من لام العاقبة وفرقة الكرامية
2- وانظر » قراءة بلاغية في حديث العرباض وفرقة الرافضة.
3- وانظر » والله خلقكم وما تعملون وفرقة القدرية
حيث ان لسان العرب تضافرت به اختلاف بالمعنى عند دخول حرف على جملة المبتدا والخبر، فذلك يؤذن ويشير الى معنى زائد احتملته الجملة لولوج هذا الحرف؛ فقولنا:
(عبد الله قائم). أو (إن عبد الله قائم). او (إن عبد الله لقائم). والمعاني مختلفة؛ فعبد الله قائم: إخبار عن قيامه. وإن عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل. وإن عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه.
ومبحثنا هنا حول ( الخفض على الجوار ) لنرى أهمية هذا الموضوع وحقيقته في ضوء القرآن الكريم، والتراث النحوي والأدبي. ومدى أثر ذلك في ضلال الشيعة في فهم آية الوضوء انموذجا. ولعل خير ما نذكر به أن القرآن حجة على اللغة العربية انظر هنا، ولا نقبل بأي وجه كان إسقاط القواعد على نصوص الآيات الكريمة ، بل يجب توظيف ما جاء به القرآن لصناعة القواعد اللغوية .
أقوال العلماء في قاعدة : «الخفض على الجوار» : أسلوب من أساليب اللغة العربية
ذكر سيبويه "وقد حملهم قربُ الجوار على أنْ جرّوا (هذا حجرُ ضبّ خربٍ) ونحوه"[2] ، بينما ذكرالنحّاس الخفض على قرب الجوار ناقلاً عن أبى حاتم السجستانى[3] . قال بهذ الأخفش وأبو عبيدة [4]. قال الأخفش: "ويجوز الجرّ على الإتباع نحو هذا جحرُ ضبٍ خربٍ، وقال أبو عبيدة "مجرورة بالمجرور التى قبلها ، والعرب قد تفعل هذا بالجوار "[5]
وقال المبرد: "وقد حملهم قرب العامل على أنْ قال بعضهم: هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ[5]. وقال الفرَّاء "وممَّا يرويه نحويونا الأوائل أنَّ العرب تقول هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ، والوجه أنْ يقول :هذا جحرُ ضبٍ خرِبُ"[6].
وأبو حيان قال: "والعرب تُراعى القرب مع فساد المعنى فى نحو قولهم. هذا جحرُ ضبٍ خرب[7].
قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ }[المائدة:6]
الإشكال النحوي- في الآية - يكمن: في لفظ : « وأرجلِكم » حيث تواترت قراءتان : فقد قرأ أبو عمرو بن العلاء ، حمزة الكوفي ، عاصم الكوفي - شعبة ، ابن كثير المكي ( ومن القراء العشر:خلف العاشر ، أبو جعفر): (وأرجلِكم) بالخفض، وقرأ ابن عامر الدمشقي ، الكسائي الكوفي ، نافع المدني - قالون و ورش ، عاصم الكوفي - حفص ( ومن القراء العشر : يعقوب) : (وأرجلكم) بالنصب[8].
وقراءة الجمهور بالنصب ، تدفع باتجاه ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة في غسل الأرجل لا على حملها على المسح ؛فقد عطفت على « وجوهكم وأيديكم » . فلا إشكال فيها ،وتقرير المعنى عليها : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم .
قال ابن عاشور-رحمه الله- في « التحرير والتنوير» : جملة { وامسحوا برؤوسكم } معترضة بين المتعاطفين . وكأنّ فائدة الاعتراض الإشارة إلى ترتيب أعضاء الوضوء لأنّ الأصل في الترتيب الذكري أن يدلّ على التّرتيب الوجودي ، فالأرجل يجب أن تكون مغسولة؛ إذ حكمة الوضوء وهي النّقاء والوضاءة والتنظّف والتأهّب لمناجاة الله تعالى تقتضي أن يبالغ في غسل ما هو أشدّ تعرّضاً للوسخ؛ فإنّ الأرجل تلاقي غبار الطرقات وتُفرز الفضلات بكثرة حركة المشي ، ولذلك كان النّبيء صلى الله عليه وسلم يأمر بمبالغة الغسل فيها ، وقد نادَى بأعلى صوته للذي لم يُحسن غسل رجليه " وَيْلٌ للأعقاب من النّار "
ويدور مبحثنا حول قراءة الجر: وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء
لقد كثفت فرقة الرافضة والفقه الشيعي نقاشهم للمسألة على ما ورد عن الزجاج قوله : « وقال بعض أهل اللغة هو جر على الجوار فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات الله »[9]. إلا أنهم - فرقة الشيعة - كعادتهم - يبترون النصوص كي توافق أهوائهم على طريقة من يقرا :« ولا تقربوا الصلاة ! » ويقف دون اتمام « وانتم سكارى»، فمن الإنصاف أن نورد قول الزجاج كما نقله الفارسي : "ويجوز وأرجلكم بالجر على معنى واغسلوا لأنَّ قوله إلى الكعبين قد دلَّ على ذلك كما وصفنا، ويُنسق بالغسل على المسح كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا متقلدًا سيفًا ورمحا
فالمعنى: متقلّدًا سيفًا وحاملاً رمحًا[10].
« فلا يجوز تحريف كلام الله انتصارا لقاعدة نحوية ، فهدم مائة من أمثالها أسهل من تحريف معنى آية» انظر بدائع الفوائد 1/45
وتأول بعض النحويين : أنَّ معنى المسح فى الآية الغسل، وهو عطف على الرؤوس ، قاله سيبويه :« إن العرب يقرب عندها المسح من الغسل لأانهما أساس الماء فلما تقاربا في المعتى حصل العطف كقوله:« متقلدا سيفا ورمحا» كما نقله الزمخشري في برهانه (1/304)..
قالوا فى الكلام عاملان، أحدهما: الغسل والآخر الباء الجارة، ووجه العاملين إذا اجتمعا فى التنزيل أن يحمل على الأقرب منهما دون الأبعد، ولذلك حمل الكلام على أقربهما وهو الباء دون (فاغسلوا) وكان ذلك الموضع واجبًا، لما قام من الدلالة على أن المراد من المسح الغسل ما رُوى عن أبى زيد أنه قال: المسح خفيف الغُسل، قالوا: تمسحتُ للصلاة فحمل المسح على أنه الغُسل، وقيل إنَّ التحديد إنَّما جاء فى المغسول ولم يجىء فى المسموح، فلما وقع التحديد مع المسح علم أنه فى حكم الغُسل لموافقته فى التحديد[11]. لإنَّ التحديد دلَّ على الغُسل. كما قال الأنباري: "وقيل هو معطوف على الرؤوس، إلا أنَّ التحديد دلَّ على الغُسل، إلى الكعبين كما حد الغسل فى الأيدى إلى المرافق دلَّ على أنه غسل كالأيدى[12].
وذهب بعضهم إلى أن المعنى يتحقق بالمسح على الخفين ، وقال بهذا ابن هشام : « وإذا سلمنا بأن العطف على الرؤوس، لكنَّ المراد مسح الخفين»[13].
إن القراءة لقوله تعالى: بخفض الأرجل على الجوار، يوحي بتعارض القراءتين ، وقاعدة أهل السنة والجماعة في ذلك انهم يعاملون هذه الحالة ان لهما حكم الآيتين ، فتوجيه القراءة كما قال الإمام ابن السعدي [14] - رحمه الله -:
« تكون كل من القراءتين، محمولة على معنى، فعلى قراءة النصب فيها، غسلهما إن كانتا مكشوفتين، وعلى قراءة الجر فيها، مسحهما إذا كانتا مستورتين بالخف. »
شبه بلاغية والرد عليها :
شرط المجاورة يكون في النعت دون فاصل بينهما بجملة أجنبية أو أداة عطف:
إنَّ الحمل على الجوار عند العرب كان فى أمثلة النعت المجاور للمنعوت، والآية الكريمة فيها عطف فاصل بينهما، قال أبو حيّان: "وأمّا فى العطف فلم يحفظ ذلك فى كلامهم ولذلك ضعف جدًا قول مَنْ حمل قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) فى قراءة مَنْ خفض (وأرجلِكم) على الجوار، والفرق بينه وبين النعت أنَّ الاسم فى باب النعت تابع لما قبله من غير وساطة شيء، فهو أشدّ له مجاورة بخلاف العطف إذ قد فصل بين الاسمين حرف العطف"[15] فلا يحسن فى المعطوف لأنَّ حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة"[16]. كما إنَّ العلماء قد صرّحوا فى أكثر من موضع أنَّ الخفض على الجوار يرد فى كلام بعضهم عند وضوح المعنى (هذا جحرُ ضبّ خرب) لأنَّ (الضبّ) لا يوصف بالخراب وإنما هو نعت للجحر أمّا مع اللبس فى المعنى فلا يجوز، وقراءة الجرّ فى الآية الكريمة فيها لبس، لأنَّ سياق الآية محمول على العطف فيها والعطف بهذا المعنى يوجب المسح لا الغسل، وقد أثبت فريق من العلماء الغسل للأرجل لا المسح، ولهذا فإنَّ القول بالجوار باطل من خلال هذا المعنى. قال الرضي الأستراباذى: (وقد يوصف المضاف إليه لفظًا والنعت للمضاف إذا لم يلبس ويُقال له الجرّ بالجوار وذلك للاتصال الحاصل بين المضاف والمضاف إليه) [17] والأمران يلزمان بعدم حمل قراءة الجر على الخفض على الجوار.
رد الشبهة :
لقد ورد في كلام العرب :
(1) في النعت : قول امرئ القيس :
كأن ثبيرا في عرانين ودقه كبيرُ أناس في بجادٍ مزمل ِ.
بخفض « مزمل » بالمجاورة ، مع أنه نعت « كبير » المرفوع بأنه خبر « كأن »
(2) قول النابغة :
لم يبق إلا أسير غير منفلت وموثق في حبال القد مجنوب
بخفض « موثق » لمجاورته المخفوض ، مع أنه معطوف على « أسير » المرفوع بالفاعلية .
(3) قول امرئ القيس :
وظل طهاة اللحم ما بين منضج صفيف شواءٍ أو قدير معجل
بجر « قدير » لمجاورته للمخفوض ، مع أنه عطف على « صفيف » المنصوب بأنه مفعول اسم الفاعل الذي هو « منضج » [18]
تدخل السنة في حسم الموقف
من الواجب علينا كمسلمين عند ورود نزاع ما في مسألة ما ، علينا التوجه إلى صحيح السنة النبوية لحل هذا الاشكال كبديل لحسن التأويل ، وهي وحي من الله لرسوله الكريم قال تعالى :
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (النجم : 4 ) وقال تعالى دالا على هذا أحقية هذا التوجه :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء : 59 )
إن محاولة إخضاع الآيات القرآنية لقواعد اللغة العربية يدخل ضمن المجهود الذهني الذي عليه أثر الصنعة المخالفة لأنها تهمش القرآن كأحد الشواهد النحوية خاصة إذا علمنا أن كثيرا من تلكم الشواهد التي بنى النحويون عليها قواعدهم مشكوك في صحتها: فالشواهد مجهولة النسبة ، قال الإمام الألباني - رحمه الله - في " منزلة السنة في الإسلام » انظر هنا : يبدو واضحا أنه لا مجال لأحد مهما كان عالما باللغة العربية وآدابها أن يفهم القرآن الكريم دون الاستعانة على ذلك بسنة النبي صلى الله عليه و سلم القولية والفعلية فإنه لم يكن أعلم في اللغة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الذين نزل القرآن بلغتهم ولم تكن قد شابتها لوثة العجمة والعامية واللحن ومع ذلك فإنهم غلطوا في فهم الآيات السابقة حين اعتمدوا على لغتهم فقط وعليه فمن البدهي أن المرء كلما كان عالما بالسنة كان أحرى بفهم القرآن واستنباط الأحكام منه ممن هو جاهل بها فكيف بمن هو غير معتد بها ولا ملتفت إليها أصلا ؟
ولذلك كان من القواعد المتفق عليها بين أهل العلم : أن يفسر القرآن بالقرآن والسنة النبوية الكريمة ثم بأقوال الصحابة رضوان الله عليهم جميعا.
والتحقيق في هذه الآية : أي واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين إلا أن يكون عليها خف ساتر فإنه يجوز المسح عليه دون حاجة إلى نزعه وغسل الرجلين ، وذلك إن لبسه بعد وضوء ولم يمض على لبسه أكثر من يوم وليلة إن كان مقيماً ، أو ثلاثة أيام إن كان مسافراً بهذا جاءت السنة .
قال ابن عبدالبر (19) : «وفي هذا الحديث من الفقه : غسل الرجلين، وفي ذلك تفسير لقول اللَّه -عز وجل-: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6]، وبيان أنه أراد الغسل لا المسح، وإن كانت قد قرئت {وأرجلكم} بالجر؛ فذلك معطوف على اللفظ دون المعنى، والمعنى فيه: الغسل على التقديم والتأخير.وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام من أهل الدين والرأي، وإنما روي مسح الرجلين عن بعض الصحابة وبعض التابعين -وتعلق به الطبري-؛ وذلك غير صحيح في نظر ولا أثر. والدليل على وجوب غسل الرجلين: قوله صلى الله عليه وسلم: « ويل للأعقاب من النار »(20)؛ فخوفنا بذكر النار من مخالفة مراد اللَّه -عز وجل-، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك واجب...» ا.هـ. وقال ابن خزيمة: «لو كان الماسح مؤديًا للفرض؛ لما توعد بالنار».
أحاديث صحيحة صريحة في غسل الرجلين :
لقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو ما تضافرت عليه الأدله الصحيحة ، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك؛ إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبدالرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين؛ رواه سعيد بن منصور كما قال الحافظ ابن حجر في « الفتح »(21) ،
(1) عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، أن رجلا قال لعبد الله بن زيد بن عاصم -وهو جد عمرو بن يحيى، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضوء، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. (22)
(2) عن ميمونة رضي الله عنها قالت : أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ .(23)
(3) عن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " (24)
مسائل تتعلق بهذه الآية :
(1) استدل العلماء من قوله تعالى :{ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } على وجوب النية في الوضوء؛ لأن تقدير الكلام: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم لها"
(2) حَدُّ الوجه عند الفقهاء: ما بين منابت شعر الرأس -ولا اعتبار بالصَّلع ولا بالغَمَم-إلى منتهى اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا.
(3) مسح الشعر : إنما يجب ما يطلق عليه اسم مسح، لا يتقدر ذلك بحدٍّ، بل لو مسح بعض شعره من رأسه أجزأه.
(4) الكعبان هما العظمان الناتئان في أسفل الساق .
(5) جمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سُـنّـة . واستدلوا على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي أن يتوضأ كما أمره الله . والله لم يأمر بالمضمضة والاستنشاق
(6) الذي يظهر أن الترتيب في الوضوء واجب كما جاء الترتيب في كتاب الله . ولم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فبدأ بغسل رجليه أو بدأ بغسل يديه قبل غسل وجهه . والفعل إذا كان بياناً للواجب دلّ على الوجوب .
بقي أن نقول : يستحب للمتوضئ أن يشرع في العضد ليغسله مع ذراعيه؛ لما روى البخاري ومسلم، من حديث نُعَيم المُجْمِر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته فليفعل". (25)
وفي صحيح مسلم: عن قُتَيْبَة، عن خَلَف بن خليفة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلغ الحِلْية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء". (26)
ويستحب أن يقول بعد الفراغ من الوضوء : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ :
( أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ (27) ، وفي زيادة عند الترمذي : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (28)
.... وأخيرا،
فهذا هو الذي أردت أن أنبه إليه فإن أصبت فمن الله . وإن أخطأت فمن نفسي، والله تعالى أسأل أن يعصمنا وإياكم من الزلل والخطأ.
(1) فقد جاءت أحيانًا حادة في وصف القراءة بـ (الغلط) أو (الوهم ) ، على نحو ما رأينا عند الأزهري في وصف قراءة البزي، وعند الفارسي في وصف قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو. أو (ليست بذاك) أو (قبيحة) أو (قليلة في الاستعمال) أو (ليست بالوجه) أو (رديئة) أو (متروكة).
[2] الكتاب: 1/67.
[3] إعراب القرآن: 3/246.
[4] معانى القرآن: 1/254، مجاز القرآن: 1/155
[4] السبعة فى القراءات: 242-243
[5] المقتضب: 4/73.
[6] معانى القرآن: 2/74.
[7] التذكرة: 346.
[8] مجاز القرآن: 1/155.
[9] معانى القرآن: 2/153.
[10] معانى القرآن: 2/154.
[11] الحجة للفارسى: 3/214
[12] البيان: 175.
[13] شرح شذور الذهب: 355.
[14] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان تفسير سورة المائدة آية :6
[15] الهمع: 4/304.
[16] شرح شذور الذهب: 355.
[17] شرح الرضى على الكافية: 2/328.
[18] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / تفسير المائدة آية :6 - الإمام محمد الأمين بن محمد المختارالشنقيطي: عالم ومحقق ومفسر. له العديد من الكتب. ولد في بلاد شنقيط (موريتانيا الآن) ، وكان- رحمه الله - ضمن هيئة كبار العلماء وعضوًا في رابطة العالم الإسلامي.
[19] «التمهيد»(24/254 -255)
[20] الصحيحة ( 872 ) ، صحيح الجامع 124 ، 7132 / صحيح أبي داود 87 / صحيح ، ابن ماجة 450
[21] «الفتح» (1/ 266)
[22] صحيح البخاري برقم (185، 186) وصحيح مسلم برقم (235).
[23] رواه البخاري (265) ومسلم (317) واللفظ له
[24] رواه مسلم ( الطهارة /331)
[25] صحيح البخاري برقم (136) وصحيح مسلم برقم (246).
[26] صحيح مسلم برقم (246)
[27] رواه مسلم ( الطهارة/345)
[28] في صحيح سنن أبي داود برقم 48 . وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة لطيفة بعنوان " كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية على الوضوء " .
كلمات دلالية :
الخفض بالمجاورة
آية الوضوء بين مسح الرجل وغسلها
الجرِّ بالمجاورة
الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة