بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

حكم تارك الصلاة عند أهل السنة

قال ابن رشد الجد (المتوفى: 520هـ) في مسائله ردا على سؤال ان احد الاشخاص في بلادهم زعم ان وهو أن تارك الصلاة كافر، لأن الصلاة ايمان ومن ترك الصلاة فقد ترك الايمان ومن ترك الايمان مخلد في النيران 
قتال رضي الله عنه : هو قول من لم يتحقق بمعرفة عقائد الدين ولا تحصلت عنده معاني أقوال علماء المسلمين، فهو كما قالت عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها، لأبي سلمة بن عبد الرحمن من التابعين: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها، أو قول من نكب عن سبيل المؤمنين فلم يصر اليها أو مال إلى أصل المبتدعين فلم يجد عنه لأن ما قاله لم يقل به أحد من علماء السنة ولا ذهب اليه احد من اهل الملة، لان الايمان عند اهل السنة هو التصديق الحاصل في القلب بالله وحده لا شريك له وبملائكته وكتبه ورسله وما جاءوا به من عنده وباليوم الآخر على اختلاف بينهم: هل من شرط صحته العلم بذلك أم لا، على قولين الأصح منهما في النظر أن ذلك ليس بشرط في صحته، قال الله تعالى: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين أي وما انت بمصدق لنا ولو كنا صادقين. ومنه قولهم: فلان يؤمن بالبعث ويؤمن بالشفاعة، ويؤمن بعذاب القبر، أي يصدق بذلك وفلان لا يؤمن بذلك، أي لا يصدق به، فهو من أفعال القلوب، لا اختلاف بين أحد من اهل السنة في ذلك.
وما روي ان الصلاة من الايمان على قاله أهل التأويل في قول الله عز وجل:
{وما كان الله لضيع ايمانكم} [سورة البقرة الآية: 143]
أي صلاتكم إلى بيت المقدس، صحيح، لأن الصلاة لا تصح الا مع الايمان، إذ من شرط صحتها النية، واعتقاد الوسيلة إلى الله بها، والقربة اليه وذلك لا يصح مع عدم الايمان. فلما كانت الصلاة لا تصح الا مع مقارنة الايمان لها، قيل فيها: إنها ايمان، ومن الايمان، لأنها لو تجردت عن الايمان لم تكن صلاة ولا طاعة فسميت باسم الاصل، الذي له الحكم والتسمية به وهو الايمان وكذلك ما لا يصح فعله الا بنية من الفرائض والسنن والنوافل هو ايمان ومن الايمان على هذا الوجه.
يشهد بصحة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون خصلة،

تأويل احاديث الكفر
فليس معنى قول من قال من أهل السنة. فإن تارك الصلاة عامداً كافر أنه بتركه الصلاة يكون تاركا للايمان فيصير بذلك كافرا مخلدا في النيران كما قاله هذا الانسان؛ لأن المؤمن لا يذهب ايمانه بتركه الايمان، الا ان يتركه لضده، وهو الكفر بالله تعالى، والجحد له وأما إذا تركه بغفلة عنه، او لنسيان له، او اشتغاله بما سواه ساعة من دهره، او ساعات، فليس بكافر، لانه إذا رجع إلى نفسه فتذكر الايمان وجده بقلبه دون الكفر ولم يكلف الله عباده استصحاب تذكر الايمان على كل حال من الاحوال، ولو كلفهم ذلك لكان تكليفهم اياه اعلاما منه بوجوب تخليدهم في النار، اذ ليس ذلك بداخل تحت قدرتهم واستطاعتهم، مثل قوله تعالى:
{ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}

وان معنى ما ذهبوا اليه أن من ترك الصلاة عمداً دون عذر ولا علة في الايمان ولم يصدق في ادعائه وحكم له بحكم الكافر، فقتل ولم يورث منه ورثته من المسلمين على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله ومن ابى فهو كافر وعليه الجزية} يريد أنه يحكم له بحكم الكافر لا أن ترك الصلاة عندهم كفر على الحقيقة وانما هو عندهم دليل عليه.
يبين ذلك من مذهبهم قول اسحق بن راهويه منهم وقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع وهو أن من عرف بالكفر، ثم رئي يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة، في اوقاتها ولم يعلم أنه يعلم أنه أقر بلسانه بالتوحيد، فإنه يحكم له بحكم الإيمان، بخلاف الصوم والزكاة والحج، يريد انه يحكم له بفعل الصلاة، دون سائر الشرائع، بحكم الإيمان والاسلام، فكذلك يحكم له، إذا تركها، دون سائر الشرائع بحكم الكفر والارتداد.

وقول أحمد بن حنبل رحمه الله: " لا يكفر احد من اهل القبلة بذنب إلا بترك الصلاة عامدا، أي لا يحكم له بحكم الكفر بذنب إلا
والى هذا نحا أصبغ من أصحابنا في العتبية، لأنه قال فتركه اياها واصراره على انه لا يصلي جحد لها فيقتل إذا قال: لا أُصلي ولن زعم أنه غير جاحد لها "
فيقتل عندهم على الكفر بالمعنى الذي ذكرناه.
ولا يرثه ورثته من المسلمين إذ لا يصدق عندهم فيما يدعي من الايمان كالزنديق الذي يقتل بما ثبت من كفره، ولا يصدق فيما يدعي من إيمانه وليس يقتل عند هؤلاء على ذنب من الذنوب كما ذهبت اليه من سؤالك ردا على المسؤول عن قوله، لانه لو قتل عندهم على ذنب من الذنوب لورثوا منه ورثته من المسلمين.
وهذا المذهب يروي عن على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وابي الدراء، من الصحابة، رضي الله عنهم اجمعين.
ومن أهل العلم من يرى انه يضرب أبدا ويسجن، حتى يصلي، ولا يبلغ به القتل إذا أقر بفرضها.

وهو ما ذهب اليه مالك رحمه الله والشافعي وأكثر أهل العلم: أن ترك الصلاة عمدا ليس بكفر على الحقيقة ولا بدليل عليه، وان الحكم في 

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم {نهيت عن قتل المصلين} فدل ذلك على أنه امر بقتل من لم يصل مع الحكم بالايمان - لا قراره به لانه من افعال القلوب فلا يعلم الا من جهته، فيحكم به لمن اظهره والله اعلم بما يبطله

ص195 :
ذهب ابن حبيب إلى ان تارك الصلاة عامدا لتركها أو مفرطا فيها أو متهاونا بها كافر على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر} وقال ذلك ايضا في أخوات الصلاة كلها واحتج للمساواة بينها وبينهن بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه " والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ".
وقوله شاذ بعيد في النظر خطأ عند اهل التحصيل من العلماء لان الادلة تمنع من حمل الحديث على ظاهره، فالقياس عليه غير صحيح

مذهب المعتزلة :
انما يتخرج ان ترك الصلاة كفر على الحقيقة كما ذهب اليه المسؤل عن قوله في سؤالك على مذهب المعتزلة الذين يزعمون ان الايمان في الشريعة هو فعل جميع فرائض الدين من العبادات وترك المحظورات وانه قد نقل هذا الاسم عن مقتضى اللغة، وجعل في الشرع اسما لجميع الواجبات.
ومن ذهب مذهبهم لا يفرق بين الصلاة وبين سائر الواجبات كما فعل هذا القائل.
فقوله بدعة، صار بانفراده به من بين جميع الامم، وحده أُمة.(ص196/1)

موجبات الكفر
فان ثبت بما قلناه وأوضحناه: أن الايمان من أفعال القلوب، فلا يصح ان يحكم على احد بكفر الا من ثلاثة اوجه: الوجهان منهما متفق عليهما والثالث مختلف فيه.
[22] فأما الاثنان المتفق عليهما فاحدهما: أن يقر على نفسه بالكفر بالله تعالى والثاني: أن يقول قولا، أو يفعل فعلا، قد ورد السمع والتوقيف وانعقد الاجماع: ان ذلك لا يقع الا من كافر، وإن لم يكن ذلك في نفسه كفرا على الحقيقة، وذلك استحلال شرب الخمر، وغصب الاموال وترك فرائض الدين والقتل والزنا وعبادة الاوثان والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من القرآن وأشباه ذلك كثير فصارت هذه الأقاويل، بانعقاد الاجماع على انها كفر، علما على الكفر، وان لم تكن من جنس الكفر بمثابة ان لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل هذا الطعام أو دخل هذه الدار، فهو كافر لكان دخول تلك الدار وأكل ذلك الطعام علما على الكفر وان لم يكن من جنس الكفر وبهذا القسم يلحق تارك الصلاة من كفره من اهل السنة بتركها على ما ذكرناه وليس ذلك بصحيح اذ لا دليل عليه لقائله إلا ظواهر آثار محتملة للتأويل، نحو قوله صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر} {ومن ترك الصلاة فقد حبط عمله} وما اشبه ذلك من الاثار.
والثالث المختلف فيه: ان يقول قولا يعلم ان قائله لا يمكنه مع اعتقاد التسمك به معرفة الله تعالى والتصديق به وان كان يزعم انه يعلم الله تعالى ويصدق به.
فهذا الوجه حكم بالكفر به من كفر اهل البدع والزيغ بمال قولهم وعليه يدل قول مالك في قوله الواقع له في العتبية: ما آية أشد على أهل الاهواء من هذه الآية
{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين استودت وجوهم}
[سورة آل العمران الآية: 106]
وأما القطع على أحد بكفر او ايمان فلا يصح لاحتمال ان يبطن خلاف ما يظهر الا بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم لنا على ذلك، اللهم الا ان يظهر لنا عند مناظرة من نناظره على مذهبه: انه معتقد لما يناظر عليه ويذهب إلى نصرته ظهورا يقع لنا به العلم الضروري لما يظهر إلينا منه من حسن الأمارات والاسباب وقصد القاصد إلى ما يورده من الخطاب، الخجل والوجل والشجاعة والجبن والعقوق والبر.
فهذا وجه القول فيما سألت عنه من تكفير تارك الصلاة، عمدا موعبا موجزا.


ومن الواجب ان ينهى هذا الرجل عن الخوض فيما لا علم له به والتكلم فيما لا أصل عنده منه وان صح عليه ما ذكرت من تضليل الأئمة المقتدى بهم ولعنهم وتبريه من مذاهبهم فالواجب: أن يستتساب من ذلك فان تمادى على قوله ولم يتب، فعل به كما فعل عمر بن الخطاب بُصبيغ المتهم في اعتقاده، لسؤاله عن المشكلات.
وبالله التوفيق.

(مسائل ابي الوالوليد 191/1)