زياد أبو رجائي
ولإعطاء الدقة للقاعدة يجب ان تاخذ شكلاً آخرا : فنقول : يجب ان تكون النكرة والمعرفة : « محضة » ، أي لا يدخل عليها شبهة تعريف
نحو :
رأيت رجلاً يمشي
رجلاً : نكرة محضة - لا يوجد أي قرينة تصرفها للتعريف أو أية شبهة تقود لذلك
والنكرة غير المحضة نحو :
رأيت رجلاً وسيماً يمشي
رجلاً : نكرة غير محضة ، وذلك لدخول الصفة او إضافتها لصفة :« وسيما ً» ، فكان هذه القرينة قربت الرجل إلى المعرفة ، فهذه شبهة التعريف أخرجت الرجل من التنكير .
لذلك فإن الجمل بعد النكرات ليست صفات على الاطلاق كما سيأتي لاحقاً
أمثلة من القرآن :
قول الله تعالى: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ }
( يوم ): فاعل مرفوع بالضمة، أي يأتي يومٌ، وهو نكرة محضة
وجملة ( لا بيع فيه )(1) : في محل رفع « صفة » لـ( يوم ).
الجملة بعد المعارف : أحوال
وكما قلنا سابقاً حتى نعطي الدلالة الصحيحة لهذه القاعدة لا بد ان نذكر لفظ « محضة » يعني بعد المعارف المحضة، ما المراد بالمعرفة المحضة؟ أي : التي ليس فيها شبهة تنكير، نحو : ( رأيتُ زيدًا يكتبُ )، « زيداً » : معرفة محضة.
الحالة البلاغية لهذه القاعدة النحوية :
مما لا شك فيه أن التنكير والتعريف المحض يظهر اكثر بوجود قرينة تقوده لذلك التعريف او التنكير
وهذا يختلف حسب تذوق النص من قبل القارئ : فلذلك لا ينبغي أن نوصف الشخص الذي تذوق عبارة ما وأعرب الجملة الخبرية بحال بعد التنكير بخلاف القاعدة المشهورة أن تكون صفة وذلك انه يراها من زاوية تقترب من حال دلالة السياق في الجملة ، وقد تختلف زاوية قراءة العبارة لشخص آخر فيقول انها صفة تمشياً للمعهود من قاعدة النحو ، فقد يختلف قراءة شخص للآية السابقة :
قول الله تعالى: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ }
فتسمع من نحوي ان اعراب الجملة « لا بيع فيه » صفة على اعتبار ان يوم : نكرة
وتسمع من آخر انها حال ، معتبراً ان يوم نكرة غير محضة وذلك لوجود شبهة تقربه إلى المعرفة ، وهذه الشبهة تفهم من خلال السياق ودلالته ، بقرينة المقام ، على هذه الكلمة وهي أن المقصود باليوم هنا هو يوم القيامة يوم الجزاء ، لذلك صرفت التكير الى التعريف ، فحق اعراب الجملة : النصب على الحال
ومثال القرينة التي تعطي النكرة شبهة ورائحة تعريف مثالنا السابق
رأيت رجلاً وسيماً يمشي
فجملة « يمشي » تصرف على الوجهين إما الوصفية وإما الحالية
نحو تذوقنا للنص أن : « الرجل » ما زال في دائرة التنكير ، وإن وجدت قرينة الصفة ، لأن الموصوف ما زال يدور مدار التنكير ، فقولنا :
« رجلاً وسيماً » فمن هو هذا الرجل الوسيم ؟! ، لاحظ أن صفة الوسيم أضفت عليه تعريف ليس محضا فإن الرجل ما زال مجهولاً للقارئ فيكون اعراب الجملة « يمشي » : صفة
ومن تذوق قراءتها أن القرينة : لفظ « وسيماً » وهي صفة تصرف التنكير للتعريف ، فقد صرفها الى التعريف او ادخل عليها شبهة التعريف فأعربها : في محل نصب على الحال .
مثال آخر :
في قول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا }
فاحتمالية ان تكون جملة يَحْمِلُ أَسْفَارًا : صفة للحمار أو حال للحمار ، احتمالية صحيحة ويعتمد على تذوق تفسير هذه الآية :
( ال ) في أصلها تفيد التعريف : لذلك إن نظرنا إلى ( ال ) الداخلة على كلمة ( الحمار ) ، إذن تصير جملة ( يحمل ) حالا؛ لأنه دخلت عليه ( ال ) قرب من المعرفة، لكن - بلا شك - ما زال الحمار المذكور يودر مدار النكرة فأنه : لا يُراد به حمارًا معينًا؛ فهو إذن نكرة فتصير جملة ( يحمل ) صفة.
فأل التي دخلت على كلمة الحمار : جنسية لا تفيد التعريف بخلاف « أل » العهدية التي تفيد التعريف .
والقاعدة هذه ذكرها ابن هشام : قال: وبعد غير المحض منهما محتمل لهما الضمير الأول منهما يعود على المعرفة و النكرة وقوله: محتمل لهما، يعني للحالية والوصفية، مثاله: ( مررتُ برجلٍ صالحٍ يصلي )، ( يصلي ) الجملة هل هي صفة أو حال؟ محتمل؛ لأنك إن نظرت لكلمة ( رجل ) أصلها فهي نكرة والجمل بعد النكرات صفات، وإن نظرت إلى الصفة اللي بعدها وأنها قربت من المعرفة فجملة ( يصلي ) حال؛ ولهذا من يعربها صفة إعرابه صحيح، ومن يعربها حالًا إعرابه صحيح.
وعلى هذا نقول: الجملة إن وقعت بعد معرفة غير محضة أو بعد نكرة غير محضة، فلك أن تعربها : « حالاً » ولك أن تعربها : « صفة » .
1-( لا ): نافية عاملة عمل ليس ترفع الاسم وتنصب الخبر، ( بيع ): اسم لا، ( فيه )، خبر ( لا )