سأل الإمام الأذرعي شيخ الإسلام: تقي الدين السبكي عن تكفير أهل الأهواء والبدع ممن خالف السنة. فقال: اعلم أنا نستعظم القول بالتكفير لأنه يحتاج إلى أمرين عزيزين
- أحدهما: تحرير المعتقد، وهو صعب من جهة الاطلاع على ما في القلب: وتخليصه عما يشيبه، وتحريره، ويكاد الشخص يصعب عليه تحرير اعتقاد نفسه فضلا عن غيره.
- الأمر الثاني: الحكم بأن ذلك كفر، وهو صعب من جهة صعوبة علم الكلام ومأخذه، وتمييز الحق فيه من غيره، وإنما يحصل ذلك لرجل جمع صحة الذهن ورياضة النفس واعتدال المزاج، والتهذيب بعلوم النظر: والامتلاء من علوم الشريعة، وعدم الميل إلى الهوى، وبهذين الأمرين يمكن القول بالتكفير أو عدمه، ثم ذلك إما في شخص خاص، وشرطه - مع ذلك - اعتراف الشخص به، وهيهات أن يحصل.
وأما البينة - في ذلك - فصعب قبولها، لأنها تحتاج - في الفهم - إلى ما قدمناه.
- وإما في فرقة. فإنما يقال ذلك من حيث العلم الجملي،
- وإما على أناس بأعيانهم فلا سبيل إلى ذلك إلا بالاقرار أو ببينة ولا يكفي - في ذلك - أن يقال: هذا من تلك الفرقة لصعوبة ما قدمناه،
- والغالب على الفرق أنهم عوام لا يعرفون الاعتقاد، وانما يحبون مذهبا ينتمون إليه من غير إحاطة بكنهه، فلو قدمنا على ذلك وحكمنا بتكفيرهم: جر ذلك فسادا عظما، وإن كنا نحكم من حيث الجملة على من اعتقد أنه كافر، والثاني: في تشخيصه، على أن التكفير صعب بكل حال، ولا ينكر إذا حصل شرطه.
ولقد رأيت تصانيف جماعة يظن بهم أنهم من أهل العلم، ويتعلقون بشيء من رواية الحديث، وربما كان لهم نسك وعبادة، وشهرة بالعلم تكلموا بأشياء ورووا أشياء تنبي عن جهلهم العظيم، وتساهلهم في نقل الكذب الصريح، ويقدمون على تكفير من لا يستحق التكفير، وما سبب ذلك إلا ما هم عليه من فرط الجهل، والتعصب، والنشأة على شيء لم يعرفوا سواه وهو باطل، ولم يشتغلوا بشيء من العلم حتى يفهموا، بل هم في غاية الغباوة، فالأولى الإعراض عمن هذا شأنه وإن وجدت أحدا يقبل الهدي هديته وتركت عموم الناس موكولين إلى خالقهم العام بسرائرهم، يجازيهم يوم يبعثهم. انتهى.
قلت : التاريخ يتكرر ..فكم من تظن بهم خيرا ولكنهم على التجرؤ باطلاق الاحكام التكفيرية وعلى المعيّن من اهل القبلة سريعون في ذلك !!
__________________________________
فرح الاسماع لابن زغدان ص 89