الذهبي ينتقد ابن حبان ويتهمه انه الخَسَّاف المتهوِّر عند ترجمة عارم ¹ ثم شنّ عليه حملة اخرى بقوله في موضع اخر :«ابنُ حِبّان ربما جَرَح الثقة حتى كأنه لا يَدري ما يَخرج من رأسه!»
والحق الذي لا مرية فيه ان ابن حبان له منهج مختلف عن هؤلاء امثال الذهبي الذي تأثر كثيرا بافكار شيخه ابن تيمية وعلى هذا الاساس كان مبعث انتقاده فلا يحمل فظاظة وغلاظة انتقاده الا ان ابن حبان كان يرى التبرك بقبور الصالحين والدعاء عندهم وقد جربه الامام المحدّث [ابن حبان] فقام بالدعاء عند قبر [علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ] ....ويقول في كتاب" الثقات" ص 8/457" : وما حلت بي شدة .....
فزرت قبر علي بن موسى الرضا ودعوت الله إزالتها عنى إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك ....
ودفاعا عن ابن حبان رحمه الله اقول ان ابن حبان قام بالتحذير من محمد عارم بسبب انه بلغه هذا عنه اي انه اختلط في اخر عمره والاختلاط مظنة الضعف ولا شك هذا عن الحفاظ والمحدثين والشاهد ان الدارقطني قال: "تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديثٌ مُنكَرٌ" بعد ان ظهر له من خلال استقراء ما توفر لديه من مرويات محمد عارم... بخلاف ابن حبان الذي لم يذكر اي حديث منكر عنه لانه مبلغ علمه في تلك اللحظة.. وتجنبا لوجود احاديث منكرة لم يطلع عليها اطلق هذا القول تحذيرا للاخرين ان موضع الضعف فيه هو الاختلاط .. وما دام لم يذكر عنه -حسب مبلغ علمه - فهو في عداد الثقات لذلك قال في اخر كلامه عنه : فإذا لم يُعلَم هذا من هذا، تُرِكَ الكل ولا يُحتجّ بشيءٍ منها" وهذه مسألة أرخنة النص وايهما قيل في اختلاطه وايهما قيل قبل اختلاطه .. فكان المنطق والعلمية الاصولية تقتضي ذلك عنده انه يفضل ان يترك بهذا الشرط فاذا انتفى هذا الشرط اي علم ان الحديث رواه قبل اختلاطه فهو ثقة مقبول وعليه كان الحكم عند الدارقطني بعدما تبين له ذلك جزم انه ثقة...
بينما نجد الذهبي يشن حملة انتقاد لابن حبان لمجرد انه وضع محمد عارم بالضعفاء لمظنة انه اختلط.. قال: ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً وقال : «ابن حبان صاحب تشنيع وشغب»... قلت المنطق يقول انه ما دام لم يذكر له حديثا منكرا فهو مقبول... مع تفضيل ابن حبان بعدم الاحتجاج به اذا لم يتبين تاريخ الرواية على وجه يفيد اليقين ان الرواية قبل او بعد الاختلاط .. وهذا من باب التحرز واجتهاد يشكر عليه لا ان نشنع عليه كما فعل الذهبي ..!! فاعطوني مثالا لمحمد عارم هذا يثبت دعواكم ان الرواية لهذا الحديث او ذاك كانت قبل الاختلاط وهذا بعد الاختلاط ؟!!
ومن منهج ابن حبان انه يوثق المجاهيل فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر وعلى هذه القاعدة نفهم ان محمد عارم ثقة لديه ما لم يأت دليل يعكس هذا...
وخوفي كل الخوف ان المحاكمة من قبل الذهبي كانت على اساس فكري اعتقادي وليس لها حظ من الانتقاد العلمي....
واساس تخوفي يشهد له انتقاد ابن حبان المتمثل باهل السنة حيث لا يقول بالحد لله تعالى لان ذلك من لوازم التجسيم الذي ابتلي بها الذهبي تاثرا من ابن تيمية فالله لا يحده شيء منعا من المماسة بينه وبين الخلق فيظهر احتياجه للخلق وهذا قول اهل السنة بخلاف ما يقوله اتباع ابن تيمية ومنهم الذهبي تعالى الله عما يقولون : قال الذهبي في الميزان: «وقد بدت من ابن حبان هفوة (!!) فطعنوا فيه بها. قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال: نحن أخرجناه من سجستان. كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين. قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه»(!!!)
وهذه ليست هفوة الا عند المجسمة !! فافهم يا رعاك الله
ومن منهج ابن حبان انه يقصد العدالة قصد العدالة التي هي الأصل في المسلمين. والعدالة وحدها تكفي عنده وهذا منهج السادة الاحناف والمالكية في توثيق الرجال وعليه الائمة المتقدمين في قبول الرواية لمن لم يأت له جرح او كذب ... وهذا مبدأ معلوم من منهج ابن حبان ومن قبله من الحفاظ :انهم يرفعون عن المجهول جهالة الحال اذا كانت روايته من الثقة والثقة بروايته يرفع جهالة العين حتى وان لم يصرح بسماعه - لان اصلا مسألة العنعنة مسألة مستجدة من منهج المتأخرين وليس لها علاقة بمنهج المتقدمين... - وساتكلم عنها في جلسة اخرى ان شاء الله -
لذلك قال في المقدمة : «فمن لم يعلم يجرح فهو عدل، إذا لم يبين ضده. إذ لم يُكلّف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم» وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان، من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه، كان الى العدالة اقرب إلى أن يتبين جَرحُه...
لذلك قال في المقدمة : «فمن لم يعلم يجرح فهو عدل، إذا لم يبين ضده. إذ لم يُكلّف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم» وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان، من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه، كان الى العدالة اقرب إلى أن يتبين جَرحُه...
وما يدل على الانصاف الذي تمتع بها الحافظ ابن حبان انه كان اذا تبين له حال احد الرواة ممن قام بتضعيفهم نقله الى الثقات ولا يبالي وهذا يشهد على صدقه وقد نقل اكثر من 150 راو تبين له العكس ..
اما من ينتقده من اتباع ابن تيمية وما يسمون انفسهم بالسلفية !! ان ذلك :أ...وذلك من تناقضه وغفلته، أو من تغير اجتهاده . وأيما كان السبب فهو دليلٌ على ضعف توثيقه !! والجواب عليه يا ليتكم تسقطون هذه النظرية على شيخكم الالباني وغيره في تراجعاته !!! اذا نقل احاديث كثيرة ( وليس رواة كما فعل ابن حبان رحمه الله تعالى ) من الصحيحة الى الضعيفة ومن الضعيفة الى الصحيحة أليس هذا دليل ضعف ؟! بل دليل تخبط وعشوائية في الاحكام .. وخاصة التي تخالف منهج عقيديته والعياذ ببه
قليل من الانصاف نحتاج لمراعاة حديثنا عن منهج المتقدمين في الاحكام على الاحاديث.
______________
(1) محمد بن الفضل السَّدُوسي عارم" (الميزان (6|298))