عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إلي شبرا اقتربت منه ذراعا، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح. (3603)
حقيقة لفظ الهرولة :
الهرولة: "بين المشي والعدو" ينظر: تهذيب اللغة (6/ 146) مادة هرول، ومعجم مقاييس اللغة (6/ 48)، ولسان العرب (11/ 695)، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني (3/ 496).
لذلك هذه الصفة لا تليق ان نضيفها لله تعالى لتعذر ذلك من حيث اصطدامها بالاية المحكمة : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ }
فضلا انها صفة للمخلوقين والله منزه عن صفات المخلوقات سبحانه وتعالى.فظ على الله تنزيها له فان اهل السنة والجماعة من السادة الاشاعرو والماتريدية وائمة وفقهاء المذاهب الاربعة رضي الله عنهم جميعا يفعّلون قاعدة (اللازم من اللفظ) اي يحمل على ما يؤول اليه اللفظ كما يلي
فلذلك ولتعذر اضفاء حقيقة اللفظ فاننا نأخذ لازم اللفظ ... فالهرولة كما في لسان العرب تعني الحركة بين المشي والركض فيرتبط ذلك المعنى بما تفاضل اليه المعنى من (التسارع) والمعنى يكون سرعة الاستجابة من الله للعبد الذي اسرع في التوبة تسارع اليه مغفرة الله تعالى :
قال الامام الحافظ الترمذي صاحب السنن :
ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث: «من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، يعني بالمغفرة والرحمة»، وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث. قالوا: إنما معناه يقول: إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وبما أمرت تسارع إليه مغفرتي ورحمتي
سنن الترمذي(581/5)
وهذا القول مروي عن الأعمش وإسحاق بن راهويه وابن قتيبة وأبي يعلى عليهم رحمة الله، وعليه عامة أهل التأويل من شراح الحديث وغيرهم.
ينظر: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (3/ 94)، وأعلام الحديث للخطابي (4/ 2358)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 384)، وشرح السنة للبغوي (5/ 26)، والمعلم للمازري (3/ 184)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (8/ 174)، والمفهم للقرطبي (7/ 8)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 261)، وشرح صحيح مسلم للنووي (17/ 6)، وفتح الباري (13/ 513 - 514)
القرطبي في المفهم (7/15) ، والعيني على البخاري (25/101) والسيوطي في التوشيح (9/4279) ، والقسطلاني على البخاري (15/429) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/522)
والقول: بهذا المعنى للهرولة، ليس هروباً من إثباتها صفة لله تعالى، لأنها توهم معنى فاسداً ولأن سياق الحديث وظاهره يدل عليه فهذا من باب التمثيل في الجانبين. والمعنى من أتى شيئًا من الطاعات ولو قليلاً، قابلته عليه بأضعاف من الإثابة
ومن فوائد هذا الحديث
(1) بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئا جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل.
(2) الحديث يرشد إلى تحسين الظن بالله عز وجل
(3) كناية عن المجازاة بأفضل وأعظم مما يفعل العبد وعلى هذا ائمة السلف :