للإيمان وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في العبارة. ولا ريب أن الوجود العيني لكل شيء هو الأصل، وباقي الوجودات فرع وتابع.
1. فالوجود العيني للإيمان هو النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه وبين الحق جل ذكره اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] وهذا النور قابل للقوة والضعف والاشتداد والنقص كسائر الأنوار وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال: 2] كلما ارتفع حجاب ازداد نورا فيتقوى الإيمان ويتكامل إلى أن ينبسط نوره فينشرح الصدر ويطلع على حقائق الأشياء وتتجلى له الغيوب وغيوب الغيوب فيعرف كل شيء في موضعه، فيظهر له صدق الأنبياء عليهم السلام ولا سيما محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين في جميع ما أخبروا عنه إجمالا أو تفصيلا على حسب نوره، وبمقدار انشراح صدره، وينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور والاجتناب عن كل محظور، فينضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة والملكات الحميدة نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [التحريم: 8] نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [النور: 35]
2. وأما الوجود الذهني فبملاحظة المؤمن لهذا النور ومطالعته له ولمواقعه،
3. وأما الوجود اللفظي فخلاصته ما اصطلح عليه الشارع بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يخفى أن مجرد التلفظ بقولنا «لا إله إلا الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» من غير النور المذكور لا يفيد إلا كما يفيد للعطشان التلفظ بالماء الزلال دون التروي به، إلا أن التعبير عما في الضمير لما لم يتيسر إلا بواسطة النطق المفصح عن كل خفي والمعرب عن كل مشتبه، كان للتلفظ بكلمة الشهادة ولعدم التلفظ بها مدخل عظيم في الحكم بإيمان المرء وكفره، فصح جعل ذلك وما ينخرط في سلكه من العلامات، كعدم لبس الغيار وشد الزنار دليلا عليهما، وتفويض أمر الباطن إلى عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»