1. الأولى: اختلف في الفاء الداخلة على إذا الفجائية، نحو: خرجت فإذا الأسد. فذهب المازني، ومن وافقه، إلى أنها زائدة لازمة. وإليه ذهب الفارسي. وذهب أبو بكر مبرمان إلى أنها فاء عاطفة، واختاره ابن جني. وذهب الزجاج إلى أنها فاء الجزاء، دخلت على حد دخولها في جواب الشرط.
2. الثانية: اختلف في الفاء الداخلة على الفعل المقدم معموله، في الأمر والنهي، نحو: زيداً فاضرب، وعمراً فلا تهن. فذهب قوم، منهم الفارسي، إلى أنها زائدة. وذهب قوم إلى أنها عاطفة، وقالوا: الأصل في نحو زيداً فاضرب: تنبه فاضرب زيداً. فالفاء عاطفة على تنبه، ثم حذف الفعل المعطوف عليه، فلزم تأخير الفاء، لئلا تقع صدراً. فلذلك قدم المعمول عليها.
3. الثالثة :اختلف في لام الاستغاثة. فقيل: هي زائدة، فلا تتعلق بشيء. وقيل: ليست بزائدة فتتعلق. وعلى هذا ففيما نتعلق به قولان: أحدهما أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور. والثاني أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني. وذهب الكوفيون إلى أن هذه اللام بقية آل، والأصل في يا لزيد: يا آل زيد. وزيد مخفوض بالإضافة.
4. الرابعة: التحقيق أن معنى اللام، في الأصل، هو الاختصاص. وهو معنى لا يفارقها، وقد يصحبه معان أخر. وإذا تؤملت سائر المعاني المذكورة وجدت راجعة إلى الاختصاص. وأنواع الاختصاص متعددة؛ ألا ترى أن من معانيها المشهورة التعليل، قال بعضهم: وهو راجع إلى معنى الاختصاص، لأنك إذا قلت: جئتك للإكرام، دلت اللام على أن مجيئك مختص بالإكرام. إذ كان الإكرام سببه، دون غيره. فتأمل ذلك. والله أعلم.
5. الخامسة : حركة هذه اللام الكسر. ونقل ابن مالك أن فتحها لغة، وحكاه الفراء عن بني سليم. ويجوز إسكانها بعد الواو والفاء، وهو أكثر من تحريكها. نحو " فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي " . ويجوز إسكانها بعد ثم، وليس بضعيف، ولا مخصوص بالضرورة، خلافاً لزاعم ذلك. وبه قرأ الكوفيون، وقالون، والبزي " ثم ليقطع " .
واختلف في وجه تسكين هذه اللام، بعد هذه الأحرف؛ فقال الأكثرون: إنه من باب الحمل على عين فعل، إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقال ابن مالك: بل هو رجوع إلى الأصل، لأن للام الطلب الأصالة في السكون، من وجهين: أحدهما مشترك، وهو كون السكون مقدماً على الحركة، إذ هي زيادة، والأصل عدمها. والثاني خاص وهو أن يكون لفظها مشاكلاً لعملها كما فعل بباء الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها، فكسرت. فإذا دخل حرف العطف رجع إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل. قال: وليس حملاً على عين فعل، لأن مثله لا يكاد بوجد إلا في ضرورة.
6. السادسة : مذهب البصريين أن لام الجحود تتعلق بمحذوف، هو خبر كان التي قبلها. والتقدير في قولك ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد مريداً للفعل. قلت: تقديرهم مريداً يقتضي أن تكون اللام زائدة، مقوية للعامل، كاللام في نحو " فعال لما يريد " . ومذهب الكوفيين أن الفعل الذي دخلت عليه اللام هو خبر كان. ولا حذف عندهم.
قال بعض النحويين: فلما كان مذهب البصريين أن اللام جارة لمصدر منسبك، من أن المقدرة والفعل، لزم عندهم أن يكون خبر كان محذوفاً. ولما كانت اللام عند الكوفيين ناصبة كان الخبر هو نفس الفعل، واللام عندهم زائدة لتأكيد النفي. ولذلك أجازوا أن يتقدم معمول منصوبها عليها.
7. السابعة : لام الابتداء مستحقة لصدر الكلام. ولذلك علقت أفعال القلوب، وندر زيادتها في الخبر، كقول الراجز: أم الحليس لعجوز، شهربه وأوله بعضهم على إضمار مبتدأ محذوف، تقديره: لهي عجوز. وضعف بأن حذف المبتدأ مناف للتوكيد الذي، جيء باللام لأجله.
8. الثامنة : ( ماذا ) تحتمل أربعة أوجه:
أحدهما أن تكون ما استفهامية وذا اسم إشارة.
وثانيها أن تكون ما استفهامية وذا اسم موصول.
وثالثها أن يكون المجموع اسماً واحداً للاستفهام.
ورابعها أن يكون المجموع اسماً واحداً خبرياً. ويعرب في كل موضع على ما يليق به.
الرابع: أن يكون ذا بمعنى: صاحب. وإنما يكون كذلك حالة النصب، نحو: رأيت ذا مال. وبعض طيىء يعرب ذو الطائية إعراب التي بمعنى صاحب. فيقول: جاء ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام.
9. التاسعة : ( قد ) الدالة على التقليل تصرف المضارع إلى الماضي. ذكر ذلك ابن مالك. والظاهر أن الدالة على التكثير كذلك. وأما التي للتحقيق فإنها قد تصرفه إلى المضي، ولا يلزم فيها ذلك. هذا معنى كلام ابن مالك.
واعلم أن قد مع الفعل كجزء منه، فلا يفصل بينهما، بغير القسم، كقول الشاعر:
أخالد، قد، والله، أوطأت عشوة ... وما العاشق المظلوم، فينا، بسارق
وقد يحذف الفعل بعدها، إذا دل عليه دليل كقول النابغة:
أزف الترحل، غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا، وكأن قد
أي: وكأن قد زالت. والله أعلم.
10. العاشرة : نقل بعضهم في كي ثلاثة مذاهب:
أحدها أنها حرف جر دائماً. قال: وهو مذهب الأخفش.
وثانيها أنها ناصبة للفعل دائماً، وهو مذهب الكوفيين.
وثالثها أن تكون حرف جر تارة، وناصبة للفعل تارة. وهو الصحيح.
11. الحادي عشر :اطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة ابلغ من التصريح بالتشبيه، وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل لا على سبيل الاستعارة، وأن الكناية أبلغ من الإفصاح
12. الثاني عشر : (لَكِن) : هي كلمة استدراك تتضمن ثلاثة معانٍ: منها لا وهي نفي والكاف بعدها مخاطبة والنون بعد الكاف بمنزل إن الخفيفة أو الثقيلة، إلا أن الهمزة حذفت منها استثقالاً لاجتماع ثلاثة معان في كلمة واحدة، ف لا تنفي خبراً متقدماً وإن تُثبت خبراً متأخراً، ولذلك لا تكاد تجيء إلا بعد نفي وجحد، مثل قوله جلّ ثناؤه: " وما رمَيْتَ إذا رميتَ ولكنّ الله رمى " . ومما يدلّ على أن النون في لكن بمنزلة إن خفيفةً أو ثقيلة، أنك إذا ثقّلت النون نصبتَ بها وإذا خففتها رفعتَ بها.
13. الثالث عشر : وَيْكأَنَّ
اختلف أهل العلم فيها. قال أبو زَيْد: معنى ويكأنّه ألَمْ تَرَ. وأنشد:
ألا وَيْكَ المسرّةُ لا تدومُ ... ولا يبقى على الدّهر النعيمُ
وأنشد أبو عبيدة:
سَأْلَتاني الطِّلاقَ أن رأتانِي ... قَلَّ مالي قد جئتماني بِنكرِ
وَيْكَانْ مَن يكُنْ له نَشَبٌ يُحْ ... ببْ ومَنْ يفتِقر يَعِشْ عيشَ ضرِّ
وحدثني علي بن إبراهيم عن محمد بن فرج عن سلمة عن الفراء قال: هو في كلام العرب تقرير كما يقول القائل: أما ترى إلى صنع الله.
وحكى الراء عن شيخ من البصريين قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنُك؟ فقال زوجها: ويكأَنَّه وراء الباب. معناه: أما تَرَيْنَه وراء البَاب؟.
قال الفرّاء ويذهب بها بعض النحويين إلى أنهما كلمتان، يردي وَيْكَ إنما أراد ويلَكَ فحذف اللام ويجعل أنّ مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال: ويلك أعلم أن. وقال: إنما حذفوا اللام من وَيْلَكَ حتى صارت وَيْكَ، فقد تقول العرب ذلك لكثرتها في الكلام واستعمال العرب إياها. قال عنترة:
ولقدْ شفى نفسي وأبرأ سقُمَها ... قِيلُ الفوارس وَيكَ عَنْتَرَ أَقْدِمٍ
وقال آخرون: ويكَ وَيْ منفصلة مِن كأنّ كقولك للرجل: أما ترى بين يديك. فقال وَيْ ثم استأنف كأنَّ الله وكأن في معنى الظن والعلم. وفيها معنى تعجب. قال: وهذا وجه مستقيم، ولم تكتبها العرب منفصلة. ويجوز أنّ يكون كثر بها الكلام فُوصلت بما ليس منه، كما اجتمعت العربُ على كتاب يا بْنَؤُمَّ فوصلوها لكثرتها.