اختلف الفقهاء فيما إذا كانت قرينة الحمل لمرأة غير متزوجة دليل على ارتكاب الزنا ، وعليه هل يلزم أن يقام عليها الحد أو لا تحد ، ومن المدركات لأي انسان أن الحمل هنا إذا لم يكن من طريق مشروع فإنه بالضرورة من طريق غير مشروع فهو زنى ، وهذه مسألة من المسائل التى اتخذت مذهبين لفقهها
المذهب الاول : اعتبر ظهور الحمل قرينة على الزنا وعليه يقام عليها الحد
وناصر هذا المذهب شيخ الاسلام ابن تيمية (1) وتلميذه شيخ الاسلام الثاني ابن القيم(2) وهذا ما ذهب إاليه المالكية من أصحاب المذاهب المشهورة(3)
واستدل أصحاب المذهب بأثرين أحدهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث طويل وأثر آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : « إن الرجم في كتاب الله حق على زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف » وجاء عند الشيخين زيادة « ولم يعارضه أحد من الصحابة فيما قال » لذلك استدل هذا الرأي على وجوب الرجم بظهور الحمل بالإجماع
2- عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال : « أيها الناس إن الزنا زناءان : زنى سر وزنى علانية ، فزنا السر أن يشهد الشهود ، فيكون الشهود أول من يرمي ، ثم الامام ثم الناس .
وزنى العلانية : أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الامام اول من يرمي »
المذهب الثاني : ظهور الحمل ليس قرينة على الزنا وعليه فإن المرأة لا تحد حد الزنا
وناصر هذا القول الإمام أحمد(4) وابن حزم(5) وأبو حنيفة(6) والشافعي(7)
واستدلوا بأثرين ايضا وهي أقوى في الدليل :
1- عن النزال بن سبرة قال : « إنا لبمكة إذ نحن بامرأة اجتمع الناس عليها حتى كادوا أن يقتلوها وهم يقولون : زنت زنت ، فأتي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي حبلى وجاء معها قومها فأثنوا عليها بخير فقال عمر : أخبرني عن أمرك ، قالت: يا أمير المؤمنين كنت امرأة أصيب من هذا الليل فصليت ذات ليلة ثم نمت وقمت وجل بين رجلي ، فقذف في مثل الشهاب ثم ذهب فقال عمر رضي الله عنه لو قتل هذه من بين الأخشبين لعذبهم الله فخلي سبيلها وكتب إلى الآفاق : ألا تقتلوا أحداً إلا بإذني » (8)
2- بلغ عمر أن امرأة متعبدة حملت فقال :« أراها قامت من الليل تصلي فخشعت فسجدت فأتاها غاو من الغواة فتجشمها فأتته فخدثته بذلك سواء فخلى سبيلها » (9)
والشاهد هنا : التماس العذر لها من قبل عمر حيث قبل عذرها ولم يقم عليها الحد بدعوى : الاستكراه على الزنا. فاحتمال أن تكون مكره على ذلك ولا تستطيع أن تقيم الدليل على الإكراه ، والمبدأ هنا فقهياً : الحدود تدرأ بالشبهات
----------------------------
(1) مجموع الفتاوى 28/334
(2) اعلام الموقعين عن رب العالمين 1/103
(3) تبصرة الحكام 2/87
(4) المغني لابن قدامة 8/210
(5) المحلى 11/339
(6) كنز الدقائق 3/164
(7) مغني المحتاج شرح المنهاج 4/149
(8) السنن الكبرى للبيهقي 8/236
(9) مصنف عبدالرزاق الصنعاني 7/409