ابن القيم رحمه الله: أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح. أ.هـ (1)
شيخ الإسلام: والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسّط عمل القلب، فإن القلب ملكٌ، والأعضاء جنوده، فإذا خبث خبثت جنوده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجسد مضغة... الحديث. أ.هـ (2)
العز بن عبد السلام : الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي. أ.هـ(3).
سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ. (4)
قال الفضيل بن عياض في هذه الآية:(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: أن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم تقبل وإذا صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً؛ والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. أ.هـ(5).
قال شيخ الإسلام: الناس لهم في هذه الآية : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ثلاثة أقوال: طرفان ووسط.
فالخوارج والمعتزلة يقولون: لا يتقبل الله إلا من اتقى الكبائر، وعندهم صاحب الكبيرة لا يقبل منه حسنة بحال.
والمرجئة يقولون: من اتقى الشرك.
والسلف والأئمة يقولون: لا يتقبل إلا ممن اتقاه في ذلك العمل، ففعله كما أمر به خالصاً لوجه الله تعالى.(6)
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً). : وهذان ركنا العمل المتقبل؛ لا بد أن يكون خالصًا لله، صواباً على شريعة رسول الله. أ.هـ
قال أبو سليمان الداراني: طوبى لمن صحت له خطوة واحدة، لا يريد بها إلا الله تعالى.
وقال بعض السلف: من سلم له في عمره لحظة واحدة خالصة لله تعالى نج.
ولما مات على بن الحسن وجدوه يعول مائة بيت في المدينة.
وقيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا، قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق.
وقال رجل التميم الداري رضي الله عنه: ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في سرّ أحب إلى من أن أصلي الليل كله، ثم أقصّه على الناس.
وقال أيوب السختياني: ما صدق عبد قط فأحب الشهرة.
وقال بعض السلف: إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي الخلاء.
وقال الحسن: كان الرجل يكون عنده زوار فيقوم من الليل يصلي ولا يعلم به زواره وكانوا يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوتا.
وكان الرجل ينام مع امرأته على وسادة فيبكي طول ليلته وهي لا تشعر.
قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهم.
قال الشافعي رحمه الله: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني كتبه على أن إلا ينسب إلى منه شيء. (7)
عن سفيان قال: أخبرتني مرية الربيع بن خثيم قالت: كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
وقال جبير بن نفير: سمعت أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق، فكرر التعوذ منه، فقلت: مالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟! فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله، أنّ الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الوحدة فيخلع منه.
وقال بشر الحافي: لأن اطلب الدنيا بمزمار أحب إلى من أن اطلبها بالدين.
وعن يحي بن أبي كثير قال: تعملوا النية، فإنها ابلغ من العمل.
قال ابن عقيل: كان أبو إسحاق الفيروز بادي لا يخرج شيئاً إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التزيين والتحسين للخلق. ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعتين فلا حرج أن شاع سمه واشتهرت تصانيفه شرقاً وغرباً، وهذه بركات الإخلاص. (8)
وللعلامة محمد الأمين الشنقيطي قصة تتعلق بصلاح القصد والنيّة، إذ أن له تآليف عديدة،/ ومنها منظومة في أنساب العرب، وقد ألّفها قبل البلوغ يقول في أولها:
في ذكر أنساب بني عدنان سميته بخالص الجمان
لكنه - رحمه الله - بعد أن بلغ سن الرشد قام بدفن هذه المنظومة، معللاً أنه كان قد نظمها على نية التفوّق على الأقران، وقد لامه بعض مشايخه على ذلك، وقالوا له: كان من الممكن تحويل النية وتحسينه.(9)
قال أيوب السختياني: تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال.
ومما أثر عن الفاروق رضي الله عنه انه كتب إلى أبي موسى الأشعري: من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني كتبه على أن إلا ينسب إلى منه شيء.
قال الشافعي : ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الحق على يديه.
وقال الشافعي : ما كلمت أحداً إلا وددت أن يسدّد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظه.
قال إبراهيم النخعي: إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال: إنك مراءٍ، فزدها طول.
قال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من اجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منه.(10)
قال النووي : أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراء لأنه ترك العمل لأجل الناس إما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب إلا أن تكون فريضة أو زكاة واجبة أو يكون عالما يقتدى به فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل.(11)
قيل : الرياء هي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس.(12)
(1) بدائع الفوائد 3/244.
(2) مجموع الفتاوى 11/81.
(3) مقاصد المكلفين ص 358.
(4) نقلاً من كتاب الإخلاص د. عبد العزيز عبد اللطيف.
(4) مناهج السنة 6/ 217.
(6) المرجع السابق.
(7) كتب الشافعي
(8) بدائع الفوائد 3/ 149.
(9) طبقات النسابين ـ بكر أبو زيد ـ مؤسسة الرسالة ـ 298 ـ برقم: 656.
(10) باختصار تصرف من كتاب الإخلاص 25- 27.
(11) شرح الأربعين ص 11.
(12) فواعد الأحكام 1/147.