بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

اخراج زكاة الفطر مالا


د. زياد حبوب أبو رجائي
إخراج القيمة في زكاة الفطر اختلف فيها العلماء على قولين :
الأول : المنع من ذلك (1) والقول الثاني : يجوز إخراج القيمة ( نقوداً أو غيرها ) في زكاة الفطر (2)

1- مذهب الجمهور:

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وقال به الظاهرية أيضاً إلى أنَّ زكاةَ الفطر صاعٌ من طعامٍ، وأنه لا يجوز دفع القيمة ولا تجزئ؛ لأنه لم يرد نص بذلك.
فيرى المالكية أنَّ صدقةَ الفطر صاعٌ عن كل شخص، والصاع: أربعة أمداد، والمُدُّ: حفنة ملء اليدين المتوسطتين، وهي واجبة وجوبًا ثابتًا بالسنة؛ لخبر: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين" ([3])، وإذا وجبت صدقة الفطر على المكلَّف ولم يقدر على إخراج الصاع كله بل على جزئه أخرجه على ظاهر المذهب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ([4]).
ويُخْرِجها المكلف من غالب قوت أهل البلد الذي هو أحد الأصناف التسعة التالية: القمح، الشعير، الزبيب، السُّلْت، التمر، الأرز، الدُّخْن، الذرة، الأَقِط ([5])، ولا يجزئ إخراجها من غير غالب قوت البلد إلا إذا كان أفضل، كما لو غلب اقتيات الشعير فأخرج قمحًا، كما لا يجوز إخراجها من غير هذه الأصناف التسعة كالفول والعدس إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأصناف التسعة المذكورة. وإذا أراد المكلف أن يُخْرِج صدقته من اللحم اعتبر الشبع في الإخراج؛ فمثلا إذا كان الصاع من القمح يُشْبِع اثنين لو خُبِزَ، فيجب أن يخرج من اللحم ما يُشْبِع اثنين ([6]).
وقال الإمام مالك في المدونة: "ولا يُجْزِئ الرجل أن يعطي مكان زكاة الفطر عَرَضًا من العروض, قال: وليس كذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم" ([7]).

وذهب الشافعية إلى أنَّ فطرة الواحد صاعٌ؛ لحديث ابن عمر : "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين"، وخبر أبي سعيد: "كنا نخرج زكاة الفطرة ; إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام , أو صاعًا من تمر , أو صاعًا من شعير , أو صاعًا من زبيب , أو صاعًا من أَقِط , فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت" ([8]).

وجنس الصاع الواجب القوت المُعَشَّر، أي: الذي يجب فيه العُشر أو نصفه; لأن النص قد ورد في بعض المُعَشَّرات كالبر والشعير والتمر والزبيب, وقيس الباقي عليه بجامع الاقتيات, وفي مذهب الشافعي القديم أنه لا يجزئ العدس والحمص; لأنهما أدمان، وكذا الأَقِط في الأظهر؛ لثبوته في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه - الذي مرَّ- ([9]).
قال الإمام النووي في المنهاج: "الواجب الحَبُّ"، وعَلَّقَ على هذا القول الشيخ الخطيب الشربيني فقال: "حيث تَعَيَّن فلا تجزئ القيمة اتفاقًا, ولا الخبز ولا الدقيق ولا السَّويق ونحو ذلك" ([10]).

ويرى الحنابلة أنَّ الواجب في زكاة الفطر صاعُ بُرٍّ أربعة أمداد بصاعه صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة, أو صاعٌ من تمر أو زبيب أو شعير أو أَقِط؛ لحديث أبي سعيد الخدري: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام, أو صاعًا من شعير, أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب , أو صاعًا من أَقِط" متفق عليه، ويجزئ دقيق بُرٍّ و دقيق شعير وسويقهما, وهو ما يحمص ثم يطحن بوزن حبه نصًا; لتفرق الأجزاء بالطحن. واحتج أحمد على إجزاء الدقيق بزيادة تفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد: "أو صاعًا من دقيق" قيل لابن عيينة: "إن أحدًا لا يذكره فيه, قال بل هو فيه" رواه الدارقطني. ولا يجزئ خبز؛ لخروجه عن الكيل والادخار, وكذا بكصمات وهريسة. ويجزئ مع عدم ذلك أي: الأصناف الخمسة ما يقوم مقامه من حَبٍّ يُقْتَات. ومن تمر مكيل يقتات كدُخْنٍ وذرة وعدس وأرز وتين يابس ونحوها; لأنه أشبه بالمنصوص عليه, فكان أولى والأفضل إخراج تمر مطلقًا. نصًا؛ لفعل ابن عمر. قال نافع: "كان ابن عمر يعطي التمر, إلا عامًا واحدًا أعوز التمر, فأعطى الشعير" رواه أحمد والبخاري وقال له أبو مجلز: "إن الله تعالى قد أوسع والبر أفضل فقال: إن أصحابي سلكوا طريقًا فأنا أحب أن أسلكه. رواه أحمد, واحتج به, وظاهره: أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر; ولأنه قوت وحلاوة, وأقرب تناولا, وأقل كلفة، فزبيب؛ لأن فيه قوتًا وحلاوة وقلة كلفة, فهو أشبه بالتمر من البر فبر؛ لأن القياس تقديمه على الكل, لكن ترك اقتداء بالصحابة في التمر وما شاركه في المعنى, وهو الزبيب فأنفع في اقتيات ودفع حاجة فقير. وإن استوت في نفع فشعير, فدقيقهما أي: دقيق بر, فدقيق شعير فسويقهما كذلك فأقط. والأفضل أن لا ينقص معطى من فطرة عن مُدِّ بر أي ربع صاع أو نصف صاع من غيره أي البر كتمر وشعير؛ ليغنيه عن السؤال ذلك اليوم ([11]).
وفي الإقناع وشرحه للبهوتي من كتبهم: "(ولا يجزئ غير هذه الأصناف الخمسة, مع قدرته على تحصيلها)؛ للأخبار المتقدمة (ولا) إخراج (القيمة)؛ لأن ذلك غير المنصوص عليه"، وفيه أيضًا: "قال أبو داود قيل لأحمد: أعطي دراهم في صدقة الفطر؟ فقال: أخاف أن لا يجزئ, خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم" ([12]).

2- مذهب الحنفية:

يرى الحنفية أنَّ الواجبَ في صدقة الفطر نصفُ صاعٍ من بُرٍّ أو دقيقه أو سويقه أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير، أما صفته فهو أن وجوب المنصوص عليه من حيث إنه مال متقوم على الإطلاق لا من حيث إنه عين، فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم , أو دنانير , أو فلوسًا , أو عروضًا , أو ما شاء ([13]). وقال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " ، وقال الحسن البصري : " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر " ، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة : أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم ، وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير .

قال الإمام السرخسي: "فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا; لأن المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة, وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز, وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الأعمش رحمه الله تعالى يقول: أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة; لأنه أقرب إلى امتثال الأمر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه, وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول: أداء القيمة أفضل; لأنه أقرب إلى منفعة الفقير فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه, والتنصيص على الحنطة والشعير كان; لأن البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فأما في ديارنا البياعات تجرى بالنقود, وهي أعز الأموال فالأداء منها أفضل" ([14]).

وهذا أيضًا هو مذهب جماعة من التابعين، كما أنه قول طائفة من العلماء يُعْتَدُّ بهم، منهم: الحسن البصري حيث روي عنه أنه قال: "لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر" ([15])، وأبو إسحاق السبيعي، فعن زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: "أدركتهم وهم يعطون في صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام" ([16])، وعمر بن عبد العزيز، فعن وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: "نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم" ([17])، وهو مذهب الثوري، وبه قال إسحاق ابن راهوية، وأبو ثور، إلا أنهما قيدا ذلك بالضرورة ([18])، وقريبًا من مذهب إسحاق وأبي ثور ذهب الشيخ تقي الدين بن تيمية، فقال: "إن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه"([19])، فَفُهِمَ منه: أن دفع القيمة للحاجة والمصلحة ليس ممنوعًا منه، هذا عنده في عموم الزكوات، فتدخل فيه زكاة الفطر أيضًا. كما أن القول بإجزاء إخراج القيمة في زكاة الفطر رواية مُخَرَّجة عن الإمام أحمد – نَصَّ عليها المرداوي في الإنصاف - ([20]).

([1])قال به الأئمة الثلاث : مالك والشافعي وأحمد ومن المحدثين الامام ابن باز وابن عثيمين والالباني
([2]) قال به أبو حنيفة وأصحابه وبعض من كبار التابعين.
([3]) متفق عليه: صحيح البخاري (1432)، وصحيح مسلم (984) .

([4]) متفق عليه: صحيح البخاري (6858)، وصحيح مسلم (1337)، واللفظ للبخاري .
([5]) السُّلْت: قيل: ضرب من الشعير ليس له قشر. قاله الجوهري، وقال ابن فارس: ضرب منه رقيق القشر صِغَار الحب، وقال الأزهري: حبٌّ بين الحنطة والشعير ولا قشر له كقشر الشعير، فهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته. أهـ المصباح المنير للفيومي مادة (س ل ت)، وَالدُّخْنُ: نبات عشبي من النجيليات حبه صغير أملس كحب السمسم ينبت بريًّا ومزروعًا.أهـ المعجم الوسيط مادة (د خ ن)، والأَقِطُ: لَبَنٌ مُجَففٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجِر يُطْبَخُ به. أهـ النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الجزري 1/141 .
([6]) يُنظر: شرح مختصر خليل للخرشي 2/228 وما بعدها، والشرح الصغير للشيخ الدردير مع حاشية الصاوي عليه 1/675 وما بعدها .
([7]) المدونة 1/392 0
([8]) متفق عليه: البخاري (1437)، ومسلم (985)، واللفظ له .
([9]) مغني المحتاج 2/111، والأَدَم من الإدام وهو ما يؤتدم به مع الخبز مائعًا كان أو جامدًا ، والأُدْمُ بالضم ما يؤكل بالخبز أَيَّ شيء كان. أهـ المصباح المنير للفيومي، ولسان العرب لابن منظور مادة (أ د م)
([10]) المرجع السابق 2/119 0
([11]) شرح منتهى الإرادات للبهوتي 1/442: 444 بتصرف .
([12]) كشاف القناع عن متن الإقناع 2/254 ، 2/195 بالترتيب وبتصرف .
([13]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1/308، بدائع الصنائع للكاساني 2/72 .
([14]) المبسوط 3/107، 108
([15]) مصنف ابن أبي شيبة 2/398 .
([16]) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
([17]) المرجع السابق بالتخريج نفسه .
([18]) المجموع شرح المهذب للنووي 6/112 بتصرف، ويُراجع الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر 3/80 .
([19]) مجموع الفتاوى 25/82 .
([20]) يُراجع: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 3/182 .

منقول بتصرف يسير