القاعدة المتفق عليها بين اهل السنة تعدّ من اهم الضوابط في البدعة الحسنة وهي: متى أسند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم فأما إذا كانت البدعة كالمتمم فقد اعتقد نقص الشريعة وإن كانت مضادة فهي أعظم ، ولا يلزم من فعلها اي محذور شرعي فحينها كل بدعة ضلالة... لذلك قال النووي وغيره ان "كل" هنا ليس على العموم بل تخصص اذا كان الاعتقاد في الاحداث تتمة على سنة الرسول او مضادة للسنة..
- قال الكرماني المشهور بـابن الملك(ت854هـ) في شرح مصابيح السنة للإمام البغوي :(1/175)
ومنِ ابتدع بِدعةَ ضلالةٍ لا يَرضاها الله ورسولُه :(قيَّد البدعة بالضلالة لإخراج البدعة الحسنة كالمنارة، فلا يستحق مبتدعُها الذنبَ)أهـ
- وقال علي القاري في المرقاة(1/271)
ما أحسن فعل عمر بن عبد العزيز حيث جعل مكان سب أهل البيت الصادر من بني أمية فوق المنابر هذه الآية الشريفة في آخر الخطبة: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 90] فهذه هي البدعة الحسنة، بل السنة المستحسنة، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.أهـ
- وقال الامام ابن حزم في "الإحكام" (1/ 47): (البدعة كل ما قيل أو فعل مما ليس له أصل فيما نسب إليه صلى الله عليه وسلم وهو في الدين كل ما لم يأت في القرآن ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه ويقدر بما قصد إليه من الخير ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسنا وهو ما كان أصله الإباحة كما روي عن عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه وهو ما كان فعل خير جاء النص بعموم استحبابه وإن لم يقرر عمله في النص ومنها ما يكون مذموما ولا يعذر صاحبه وهو ما قامت به الحجة على فساده فتمادى عليه القائل به).
- قال الإمام القرطبـي رحمـه االله تعـالى (264/17)
وهذه الآية {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان االله فما رعوها حق رعايتها*فآتينا الذين آمنوا منهم أجـرهم....}
دالة على أن كل محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيراً أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضده فيدخل في الآية.
لا يجوز الحُكم بالتحريم إلا بدليل صريح (لا يدخله شّك واحتمال لذاته أو بغيره)، وعليه دَرَج الصحابة والتّابعون والأئمّة.
وبعضهم يردون ذلك بان فعل الصحابي ليس من جنس المحدث او الابتداع ، والجواب على ذلك يقتضي تقرير ان أغلب من قدّم قول الصحابي كان في الظن الغالب وليس على التاكيد والقطع حيث انه ما فعله الا كونه راى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله او سمعه منه فضلا ان الصحابي لن يتعمد ان يفعل ما يترجح لديه انه باطل؛ مع اقرارهم ان هناك حالات قد خالف فيها الصحابي الصحابة فردوها بناء على هذا الاجماع او ردوها فيما اذا انكر الصحابة على قول احدهم ... وهذا كله يصبّ في مقصود كلامنا ان المحدثات الحسنة كانت في عهد الصحابة ولم ينكر او يبدّع او يكفر احدٌ منهم الاخر... رضوان الله عليهم جميعا..
والبدعة الحسنة؛ قال بها الائمة اعلام الاسلام :
الامام الشافعي، والامام العز بن عبد السلام، والقرافي، والغزالي في الإحياء، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ، والنووي في شرح صحيح مسلم وعلي القاري في المرقاة والإمام العيني في عمدة القاري والكرماني في شرحه للبخاري والشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة والحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس والإمام السيوطي في الحاوي للفتاوي والحافظ ابن حجر العسقلاني فى كتاب" فتح الباري والحافظ ابن حزم والامام السبكي والإمام احمد بن محمد الخطابي والامام ابن رجب الحنبلي...
واخرون ....
اذن:
قد جرت محدثات لا تصادم الشريعة فلم يروا بفعلها بأسا كما في الامثلة على المحدثات التي رآها المسلمون حسنة: فلا يقال ان عمل الصحابة هذا مخالف للنص، بل هو ضمن النص الشرعي وعليه اجماع الامة
(1) روى مسلم : عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - طلاق الثلاث واحدة فقال عمر - رضي الله عنه - قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاث تطليقات ..... ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الطلاق الثلاث لمن أوقعها مجتمعة.
حتى عهد سيدنا عمر بن الخطاب بان اوقعها ثلاثا
وعليه جرت اقوال الائمة الاربعة لمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف يقع الثلاث وقال طاوس وبعض أهل الظاهر لا يقع بذلك إلا واحدة
(ولم ينكر عليه رضي الله عنه احد من الصحابة)
(2) توفي رسول الله على عدم قيام الجماعة لصلاة التراويح في رمضان وكذلك في عهد ابي بكر الصديق حتى اتى سيدنا عمر بن الخطاب وجمعهم على ابي
أخرج البخاري في صحيحه ، ومالك في الموطأ ، وغيرهما عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضياللهعنه ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب ، ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نِعْمَ البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوّله.
(ولم ينكر عليه رضي الله عنه احد من الصحابة)
(3)أخرج البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال : كنا نُؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإمرة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ، فنقوم إليه بـ [أيدينا ونعالنا وأرديتنا] ، حتى كان آخر إمرة عمر ، فجَلد أربعين ، حتى عَتَوا وفسَقوا [جَلد ثمانين].
كما في الرواية الثانية عند مسلم أن النبي صلىاللهعليهوآله وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر ، فجلده بجريدتين نحو أربعين.
فزمن الرسول وابي بكر كانوا يضربون السكارى بالايدي والنعال ثم بالجريد اربعين جدلدة حتى استشار سيدنا عمر الصحابة ، فقال عبدالرحمن : أخف الحدود ثمانين. فأمر به عمر
(ولم ينكر عليه رضي الله عنه احد من الصحابة)
(4) أخرجه مسلم عن أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر ، فقال : كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر
وروى الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كره عمر الصلاة بعد العصر، وأنا أكره ما كره عمر.
وقد صح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب كما سبق ذلك من حديث عمر وغيره من الصحابة، أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : ركعتان لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يَدَعُهما سرّاً ولا علانية : ركعتان قبل صلاة الصبح ، وركعتان بعد العصر
(5)العول في الفرائض :زيادة فروض الورثة عن التركة أي: أن يجتمع في الميراث ذوو فرائض مسماة لا يحتملها الميراث فينقص كل واحد من فرضه شيئا حتى ينقسم المال عليهم ...النقص يرد على الجميع
أول من قال به زيد بن ثابت ، ووافقه عليه عمر بن الخطاب وصح عنه
وبه يقول مذاهب الامة الاربعة أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد
لانهم قاسوها كالغرماء في الدين(الدائنون)
خالف ابن عباس ذهب إلى تقديم الزوجين والأبوين على البنات والأخوات ، فيُجعل الباقي لهن.
(ولم ينكر عليه رضي الله عنه احد من الصحابة)
(6) التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر: " الصلاة خير من النوم "
أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر يُؤْذِنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم. فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح
وقيل ان التثويب من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه يكون كره عمر بن الخطاب ان ينادى على باب الامير اذا تاخر في الاستيقاظ وطلب منه ان يقتصر ذلك على النداء فقط
روى ابن ماجه من طريق ابن المسيب عن بلال أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه لصلاة الفجر ، فقيل : هو نائم ، فقال : " الصلاة خير من النوم " مرتين ، فأقرت في تأذين الفجر
وقيل ان التثويب من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه يكون كره عمر بن الخطاب ان ينادى على باب الامير اذا تاخر في الاستيقاظ وطلب منه ان يقتصر ذلك على النداء فقط
روى ابن ماجه من طريق ابن المسيب عن بلال أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه لصلاة الفجر ، فقيل : هو نائم ، فقال : " الصلاة خير من النوم " مرتين ، فأقرت في تأذين الفجر
فثبت الأمر على ذلك
قول بلال رضي الله عنه ( الصلاة خير من النوم ) فهي من محدثات سيدنا بلال وقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمعها منه ( ما أحسن هذا أجعله في آذانك ) . .رواه الطبراني عن عائشة والبيهقي عن إبن عمر مرسلاً
قول بلال رضي الله عنه ( الصلاة خير من النوم ) فهي من محدثات سيدنا بلال وقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمعها منه ( ما أحسن هذا أجعله في آذانك ) . .رواه الطبراني عن عائشة والبيهقي عن إبن عمر مرسلاً
(7) أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الرحمن بن يزيد قال : صلّى بنا عثمان بن عفان رضياللهعنه بِمِنَى أربع ركعات
قال عبدالله بن مسعود : صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر رضياللهعنه بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب رضياللهعنه بمنى ركعتين
قال مسلم : فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً ، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين
قال عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي :كنا مع عبد الله بن مسعود بِجَمْع فلما دخل مسجد منى سأل كم صلى أمير المؤمنين ؟ . قالوا : أربعاً . فصلى أربعاً , فقلنا : ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وأبا بكر صلى ركعتين ؟! . فقال : بلى , وأنا أحدثكموه الآن , ولكن عثمان كـان إماماً فما أخالفه ، والخلاف شـر
قال عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي :كنا مع عبد الله بن مسعود بِجَمْع فلما دخل مسجد منى سأل كم صلى أمير المؤمنين ؟ . قالوا : أربعاً . فصلى أربعاً , فقلنا : ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وأبا بكر صلى ركعتين ؟! . فقال : بلى , وأنا أحدثكموه الآن , ولكن عثمان كـان إماماً فما أخالفه ، والخلاف شـر
(8) أخرج البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال : إن الذي زاد التأذين الثالث يوم الجمعة عثمان بن عفان رضياللهعنه ....
ذكر القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" أن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- (كان يُؤذن له أذانا واحدا بالكوفة).
أخرج ابن شيبة في "المصنف"عن ابن عمر-رضي الله عنه- قال: [الأذان الأول يوم الجمعة بدعة]اهـ.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن البصري أنه قال : [النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام ،والذي قبل ذلك محدث]اهـ.
(9) أخرج مسلم في صحيحه ، والترمذي في سُننه ، عن طارق بن شهاب ، قال : أول مَن بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان...
قال الترمذي : ويقال : إن أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم
وهذا خلاف ما ثبت عن رسول الله
عن جابر عند البخاري ومسلم وأبي داود قال : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى قبل الخطبة }
وثبت الامر على ذلك حتى الان!!
(10) عن الربيع قالت أتاني ابن عباس فسألني عن هذا الحديث تعني حديثها الذي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وغسل رجليه فقال ابن عباس إن الناس أبوا إلا الغسل ولا أجد في كتاب الله إلا المسح )
فهذا يدل على أن الصحابة اتفقوا على أن فرض الرجلين في الوضوء الغسل
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش قال: كانوا يقرؤونها {برؤوسكم وأرجلكم} بالخفض، وكانوا يغسلون
(ولم ينكر الصحابة عليه...)
(11) اوقف سيدنا عمر حد السرقة في عام المجاعة لانه راى ان الاحكام تدور مع عللها وجوداً وعدماً، وتصرفها عن كونها أحكاماً شموليّة لا يجوز تخصيصها
(12) منع سيدنا عمر الزواجِ من اليهودية والنصرانيّة في مرحلة من مراحل الحياة السياسية الإسلامية؛ رغبةً في حمايةِ أمنِ الدولة ومصلحة للمسلمين
(13) تكبير العيد
ثبت باسناد حسن كان رسول الله يقول:اللهُ أكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، والله أكْبَرُ الله أكبر ولِلَّهِ الحَمْدُ
سلمان الفارسي على التكبير بصيغة :" الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. رواه ابن أبي شيبة (2/168) بإسناد صحيح.
وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا. رواه البيهقي (3/ 315) وسنده صحيح
________________________
قال الامام ابن قدامه في "المغني" (هذا يدل على أنه لا بأس بالزياده، قال "ولا تُستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لزم تلبيته فكررها ولم يزد عليها). فأشار ابن قدامة إلى جواز الزيادة ولم يعتبرها بدعة مع أنه زائد على التلبية الواردة في الحديث الشريف.
(14) قال الشيخ علي القاري في مرقاة المفاتيح:(1/271)
قال الحافظ ابن حجر : البدعة الحسنة ملحقة بالسنن المنصوصة، لكن لمّا لم تؤلف في الصدر الأول سميت بدعة.أهـ
المحدثات التي توافق الشريعة كانت في الصحابة الكرام
1.خبيب بن عدي: أول من سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : "فكان خبيب أول من سن الركعتين عند القتل"
2.بلال بن رباح اول من سن ركعين بعد الوضوء
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: يستفاد منه جواز الاجتهاد في توقيت العبادة، لأن بلالا توصل إلى ما ذكرنا بالاستنباط.
(15) أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول:
يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، ولا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتيمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه. فوكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلا فقال: إذا صلى فائتني به. فلما أتاه وقد كان أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب من بعض المعادن، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال: ممن أنت يا أعرابي؟ قال: من بني عامر بن صعصعة يا رسول الله، قال: هل تدري لم وهبت لك الذهب؟ قال: للرحم بيننا وبينك يا رسول الله، قال: إن للرحم حقا، ولكن وهبت لك الذهب بحسن ثنائك على الله عز وجل.
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن محمد أبي عبد الرحمن الأذرمي وهو ثقة.
لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقرار هذا الإعرابي على فعله المحدث ذكرا داخل الصلاة بل أعطاه ذهبا
(16) تعدد الجمع ، الأصل أنه لا يجوز تعدد في تعدد الجمعات في البلد الواحد
أمر محدث لم يك معروفاً في زمن الصحابة
والفقهاء على الجواز بعد احداثها زمن الامويين خوفا من الفتة بين المصلين من المعارضين لحكمهم! ووضعوا شروطا منها اتساع المدينة بما لا يتسع المسجد لقيام جمعة واحدة ...ولكن بعض الفقهاء قالوا لا يصح الاستدلال على الشرطية المقتضية للبطلان
والنبي فرق بين صلاة الجمعة والصلوات الخمس , فإنه ثبت أنه كان في المدينة عدة مساجد تقام فيها صلاة الجماعة
وأما الجمعة فلم تكن لتتعدد بل كان أهل المساجد الأخرى كلهم يأتون إلى مسجده صلى الله عليه وسلم فيجمعون فيه
(17) عن عبد الله بن زيد على كيفية الأذان المعروف بالرؤيا التي أيده فيها عمر بن الخطاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود وأحمد.
(18) روى البخاري :( كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ . فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : مَنِ الْمُتَكَلِّمُ ؟ قَالَ : أَنَا . قَالَ : رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا ، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُُ ) رواه البخاري (799) .
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله :( ...وقد دل الحديث على فضل هذا الذكر في الصلاة ، وأن المأموم يشرع له الزيادة على التحميد بالثناء على الله عز وجل ، كما هو قول الشافعي وأحمد - في رواية - .وأن مثل هذا الذكر حسنٌ في الاعتدال من الركوع في الصلوات المفروضات ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يصلون وراء النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات المفروضة غالباً ، وإنما كانوا يصلون وراءه التطوع قليلا .
وفيه - أيضاً - : دليل على أن جهر المأموم أحيانا وراء الإمام بشيء من الذكر غير مكروه ، كما أن جهر الإمام أحياناً ببعض القراءة في صلاة النهار غير مكروه )أهـ " فتح الباري " لابن رجب (5/80-81)
(19) احدث الصحابة قاعدة استدل بها العلماء:(سلوك الأدب أفضل من الامتثال)
فقد رجع أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن موقف الإمامة حين تأخر رسول الله عن الإمامة بسبب الانشغال في الإصلاح بين المتخاصمين، مع أنه صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن يبقى مكانه، ولكنه رضي الله عنه قال: (مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) متفق عليه.
وكذلك استدل العلماء على هذه القاعدة: برفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه محو كلمة "رسول الله" من كتاب صلح الحديبية.
(20) قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ !!
قَالَ : قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟! قَالَ مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قُلْتُ : النِّصْفَ ؟! قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قَالَ : قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ )
نقل السخاوي في " القول البديع " (133) . قال بعض شراح المصابيح : ( .. فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعين له في ذلك حدا ، لئلا يغلق باب المزيد ؛ فلم يزل يفوض الاختيار إليه ، مع مراعاة الحث على المزيد .. ) أهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (79) : ( وسئل شيخنا أبو العباس [ يعني : ابن تيمية ] عن تفسير هذا الحديث ، فقال : كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه ، فسأل النبي...)أهـ
(21) اعفاء اللحية ، فقد حصل خمس روايات: "أعفوا وأوفوا"، و"أرخوا"، و"أرجوا"، و"وفروا"، ومعناها كلها تركها على حالها
ولم يثبت عن الرسول بسند صحيح قطعي انه أخذ من لحيته وحديث الترمذي ضعيف السند حسب القواعد المقررة عند اهل الحديث ومع هذا نجد كثيرا من الصحابة أخذوا منها امثال:
- روى ابن أبي شيبة في المصنف أخذ ما زاد عن القبضة عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وطاوس والقاسم بن محمد بن أبي بكر
- وقال الحسن: كانوا يرخصون فيما زاد على القبضة من اللحية أن يؤخذ منها ...فقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن عبد الرحمن بن مهدي، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن سماك بن يزيد قال: "كان علي - رضي الله عنه - يأخذ من لحيته مما يلي وجهه"
- وثبت عن جابر رضي الله عنه انه قال :كنا لا نأخذ من طولها إلا في حج أو عمرة بخلاف ما هو عند ابي هريرة كان الاخذ عنده مطلقا غير مقيد بحج او عمره..
وعليه أقول :
فعل الصحابة والتابعين في الفعل لا يخلو من أمر قد فهموا مراده عن رسول الله في الدلالة على الاستحباب فان هذا الفعل من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعا هو الصارف الدال بان صيغة الامر على السعة بما وقع منهم.
فالمحدثات في الدين كثيرة ومستفيضة في كتب السنة ولم يرد عليها نكير من العلماء... لكن لم يقل بذلك أحد من أهل العلم وقذ شذّ الإمام الشاطبي الذي أدرج البدع المحدثة تحت إسم المصالح المرسلة وان كنت لا ارها معارضة منه رحمه الله وانما ادرجها من باب سد الذرائع في تسمية البدعة كونها اقترنت في الحديث بالضلالة!! لذلك لا مشاحة في الاصطلاح
فالمحدثات في الدين كثيرة ومستفيضة في كتب السنة ولم يرد عليها نكير من العلماء... لكن لم يقل بذلك أحد من أهل العلم وقذ شذّ الإمام الشاطبي الذي أدرج البدع المحدثة تحت إسم المصالح المرسلة وان كنت لا ارها معارضة منه رحمه الله وانما ادرجها من باب سد الذرائع في تسمية البدعة كونها اقترنت في الحديث بالضلالة!! لذلك لا مشاحة في الاصطلاح
وان لم تسلموا بهذا فانكم وقعتم في المحذور بان الصحابة خالفوا قول الرسول وحاشاهم ان يفعلوا ولو فعلوا لاستنكر عليهم بقية الصحابة ولهذا فان هذا الفعل منهم يستدل به على توافر عمله من قبل الصحابة الاخرين وانه كان شائعا بينهم.....
الترك لا ينتج حكما ...
كما أن تركهم للشيء ليس دليلاً على حرمته
وقولهم (لم يفعله السلف ) مستدلين بذلك على كراهته أو حرمته أمر بعيد عن العلم وتحقيق العلماء في ذلك ، لأن عدم فعل الشيء من السلف ليس دليلاً على حرمة أو كراهة ، بل هو عدم دليل . لأن الأصل في الأفعال والأشياء الإباحة حتى يرد دليل بالمنع ( تجريماً أو تكريهاً )
والله أجل وأعلم
د. زياد حبوب أبو رجائي
عمان - الاردن