بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

شرح ارجوزة المذاهب الاربعة

قال الشيخ محمد سعيد صفر المدني الحنفي (ت 1194هـ) في ارجوزته عن المذاهب الاربعة:
وَقَـوْلُ أَعْلَامِ الـهُدَى لَا يُـعْمَلُ .... بقَـوْلِـنَـا بِـدُونِ نَـصٍّ يُـقْـبَـلُ
فِـيهِ دَلِـيـلُ الأَخْــذِ بِــالـحَدِيثِ....   وَذَاكَ فِـي القَدِيمِ وَالـحَدِيثِ
قَـالَ ( أَبُـو حَنِـيفَـةَ ) الإِمَـــامُ....  لَا يَـنْـبَغِي لِـمَـنْ لَـهُ إِسْـلَامُ
أَخْـذًا بِأَقْـوَالِـيَ حَـتَّى تُـعْـرَضَـا....عَلَى الحَدِيثِ وَالكِتَابِ الـمُرْتَضَى
وَ ( مَالِكٌ ) إِمَامُ دَارِ الـهِجْرَةِ....   قَالَ وَقَدْ أَشَارَ نَحْوَ الـحُجْرَةِ
كُـلُّ كَلَامٍ مِـنْـهُ ذُو قَـبُـولِ....        وَمِنْهُ مَرْدُودٌ سِوَى الرَّسُولِ
وَ ( الشَّافِـعِيُّ ) قَـالَ إِنْ رَأَيْـتُمُ....  قَـوْلِـي مُـخَالِـفًا لِـمَـا رَوَيْـتُمُ
مِنَ الـحَـدِيثِ فَاضْـرِبُـوا الـجِـدَارَا....بِـقَـوْلِـيَ الـمُـخَـالِـفِ الأَخْــبَـارَا 
وَ ( أَحْـمَدٌ ) قَالَ لَـهُمْ لَا تَـكْـتُـبُوا.... مَـا قُلْـتُـهُ بَلْ أَصْلُ ذَاكَ فَـاطْـلُـبُوا 
فَاسْـمَعْ مَـقَـالَاتِ الـهُدَاةِ الأَرْبَعَهْ....   وَاعْـمَلْ بِـهَا فَإِنَّ فِـيهَا مَنْـفَـعَـهْ
لِـقَـمْـعِـهَـا لِـكُلِّ ذِي تَعَصُّبِ....   وَالـمُنْصِفُونِ يَكْتَـفُونَ بِالنَّـبِيْ

الشرح :
  • قوله (اعلام الهدى) : اي ائمة المذاهب الاربعة وقد ذكرهم في الارجوزة : ابوحنيفة و مالك والشافعي واحمد
  • قوله (لا يعمل  بقولنا بدون نص يقبل) :. وهذا قول الائمة الاربعة في الاخذ بالنص اولا .. ومنهجهم اتفق جميعا ان النص اذا صح لديهم مقدما على القياس ... وانما كان الاختلاف في قبول الخديث او الخبر لديهم وفق منهج التصحيح المتبع لدى كل امام .. والحقيقة ان ذلك الاختلاف لا يقتصر على الائمة الاربعة فحسب بل يمتد الى كل مجتهد في قبول الحديث حيث لا يوجد اي قاعدة متفق عليها سواء بالتصحيح او التضعيف وهذا ناشي اصلا عن اختلاف الجميع  وليس الاربعة في الرواة وضبطهم وعدالتهم والسؤال الذي يتبادر للذهن  لماذا اختلفوا في الحكم على الاحاديث
الجواب:
  • الاختلاف في الرجال والحكم على الرجال وعلى الأحاديث أمر نسبي بين العلماء فهناك المتشدد والمتوسط والمتساهل  !!
  • شروط الراوي تختلف بين إمام وإمام فمنهم من وثّق راوٍ بخلاف من ضعفه :
    • أبو حنيفة رحمه الله اشترط في الراوي ألا ينسى الأحاديث وأن يؤديها كلما طلب منه ذلك وقد رد اكثر من حديث:
    • لم يأخذوا برواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين :" إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب"؛ وذلك لأنه ثبت لديهم عن أبي هريرة رضي الله عنه انه اكتفى بالغسل ثلاثا من ولوغ الكلب
    • لم يأخذوا بالحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة نكحت بلا إذن وليها فنكاحها باطل"؛ وذلك لأنه ثبت عندهم عن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن حينما كان غائبا في الشام بدون إذنه
    • ابو حنيفة رضي الله عنه كان يرى رد الحديث اذا عارض اية من القران
      • رد الحنفية حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين لأنه مخالف لقوله تعالى:" واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء
      • لم يأخذوا بحديث :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" لمخالفته نصا قرآنيا ظاهرا:" فأقرأوا ما تيسر من القران..
      • الإمام البخاري رحمه الله اشترط ثبوت اللقاء بين الراوي وشيخه لذلك رد كثير من احاديث صحيحة عن مسلم ولم يأخذ بها لعدم توفر الشرط....الخ
      • الإمام مسلم اشترط ثبوت المعاصرة بمعنى ان يكون الراوي عن شيخه معاصرين لبعضهم ولا يشترط اللقاء بينهم ويكثر على ذلك من العنعنة اي عن فلان .....الخ الخ
      • الامام مالك : ان لا يكون الخبر مخالفا لعمل اهل المدينة: فعمل اهل المدينة عند المالكية بمنزلة روايتهم عنه، ورواية جماعة عن جماعة أحق ان يعمل بها من رواية فرد عن فرد لذلك رد اكثر من حديث صحيح الاسناد مثال: 
      • حديث خيار المجلس:" البيعان بالخيار مالم يتفرقا، فان صدقا وبّينا بورك لهما في بيعهما،وان كذبا وكتما محقت بركة بيعهما." لان عمل اهل المدينة كان بخلافة.
      • وردوا ايضا :" لا تنكح الايم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، واذنها صماتها." لذا يجوز للولي عند المالكية إجبار ابنته البكر على الزواج دون إذنها، قال مالك رحمه الله:" هذا هو الأمر عندي في زواج الأبكار. وقد بلغني أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر كانا يزوجان بناتهما الأبكار ولا يستأذنانهن." 
      • وردهم لخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الخروج من الصلاة سلّم سلامين احدهما عن يمينه والأخر عن يساره ؛ لان عمل أهل المدينة كان بسلام واحد.
      • احمد شاكر وثّق رواة دارت عليهم احاديث نبوية كثيرة مثل ابن لهيعة وشهر بن حوشب وليث بن ابي سليم واخرين بينما غيره يراهم ضعاف وبعضهم قال ابن لهيعة ضعف بعد احتراق مكتبته اما قبل الحرق فهو قوي....الخ
      • الالباني كان يتشدد بقبول احاديث لها علاقة بالمنهج الصوفي فتجد يرده متنا على الرغم من صحة الاسناد مثل حديث جلوس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على العرش فيما يفضل منه اربع اصابع لا يستوي عليه الرب!! ( إن كرسيه وسع السماوات والأرض ، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب ؛ من ثقله ) فقد صححه كثير من اهل السنة ومنهم الامام احمد وابن تيمية... وكذلك طريقة جمعه بين الاحاديث الضعيف بالنظر الى الاسناد دون النظر الى باقي العلل فيصبح الحديث حسنا لغيره  ثم انه يقبل تفرد بعض الرواة بدون متابعة .وتشدده في رد روايات التدليس، ورد كل ما ثبت انقطاعه مطلقًا، ولو كانت القرائن احتفت به، كمعرفة الواسطه عينًا أو حالًا، كرواية سعيد عن عمر، أو أبي عبيدة عن أبيه، ونحو ذلك
      • مثل: الراوي عبد الله بن خليفة  فقد جهّله الذهبي قال: "لا يكاد يعرف" . وقال الحافظ في "التقريب" : "مقبول" ويقصد  عند المتابعة
  • اختلافهم في قبول بعض العلل 
    • وقد يصح الحديث ولا يعمل به , كأن يكون منسوخا أو نحو ذلك , ولهذا قسم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى الحديث المقبول إلى معمول به وغير معمول به .. انظر ( اليواقيت والدرر 1/446 ) 
    • او العكس يثبت ضعفه اسنادا ويعمل به
    • فالحديث اذا كان اسناده ضعيفا , غير إن العلماء تلقوه بالقبول . قال ابن عبد البر : سأل الترمذي البخاري عن حديث أبي هريرة في البحر " هو الطهور ماؤه " فقال صحيح . قال الترمذي : وما أدري ما هذا من البخاري وأهل الحديث لا يحتجون بمثل إسناده , ولكن الحديث عندي صحيح من جهة أن العلماء تلقوه بالقبول
    • وذلك بألا يكون الحديث شاذا .حتى لو صح اسناده....
    • والشاذ من الاحاديث هو " ما رواه الثقة مخالفا لمن هو أرجح منه  فخرج الحديث الشاذ بهذا الشرط... هناك اختلاف في التفاصيل للشاذ...الخ الخ مثال الشيخ الالباني كما اعترض عليه من كثير من المهتمين في الصناعة الحديثية: قال ابن عثيمين عنه :(
      •  وعدم ملاحظتة ما يكون شاذ المتن، مخالفًا لأحاديث كالجبال صحة، ومطابقة لقواعد الشريعة)أهـ
  • اختلاف الحفاظ والمحدثين في شروط قبول الحديث 
    • ابن الصلاح كان يرى ان التصحيح والتضعيف  قد سد هذا الباب وعلى الامة الاقتصار عما جاء في الكتب المشهورة التي ثبت بها الضبط والصحة والاتقان والتي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف
اذن نتفق الان ... ان الاختلاف ليس في قبول النص بل في منهج الجميع وليس الاربعة في قبول الحديث وعدمه  وعليه يكون باقي الارجوزة 
قَـالَ ( أَبُـو حَنِـيفَـةَ ) الإِمَـــامُ....  لَا يَـنْـبَغِي لِـمَـنْ لَـهُ إِسْـلَامُ
أَخْـذًا بِأَقْـوَالِـيَ حَـتَّى تُـعْـرَضَـا....عَلَى الحَدِيثِ وَالكِتَابِ الـمُرْتَضَى
وَ ( مَالِكٌ ) إِمَامُ دَارِ الـهِجْرَةِ....   قَالَ وَقَدْ أَشَارَ نَحْوَ الـحُجْرَةِ
كُـلُّ كَلَامٍ مِـنْـهُ ذُو قَـبُـولِ....        وَمِنْهُ مَرْدُودٌ سِوَى الرَّسُولِ
وَ ( الشَّافِـعِيُّ ) قَـالَ إِنْ رَأَيْـتُمُ....  قَـوْلِـي مُـخَالِـفًا لِـمَـا رَوَيْـتُمُ
مِنَ الـحَـدِيثِ فَاضْـرِبُـوا الـجِـدَارَا....بِـقَـوْلِـيَ الـمُـخَـالِـفِ الأَخْــبَـارَا 
وَ ( أَحْـمَدٌ ) قَالَ لَـهُمْ لَا تَـكْـتُـبُوا.... مَـا قُلْـتُـهُ بَلْ أَصْلُ ذَاكَ فَـاطْـلُـبُوا 

واضح وجلي ... ان الائمة الاربعة لم يأخذوا حديثا الا وانه:

  •  صحيح لديهم وقد صححوه اضافة الى من صححه من اهل العلم  فقولهم اذا صح الحديث مذهبي يعني اذا صلح الاستشهاد به في موضع ومحل النزاع في المسألة فكما يعلم ان الحديث اذا اردت استنباط الفوائد منه ستجد انه يندرج في اكثر من باب ولهذا تجد الامام البخاري ومسلم واببا داود والترمذي وباقي التسعة بوّوبوا الحديث في اكثر من باب فقهي
فلا يعتقد انهم قالوا ذلك كونهم يشكون - وحاشى لهم ذلك- فلو شكوا به لما استدلوا به وهم على ما يعرفون وقافون على الحق ولا يقبلون الا بما صح عندهم من احاديث...

  • ورب قائل يقول ان الخديث صح عند الامام البخاري ولم يستدل به الشافعي او مالك او ابو حنيفة رضي الله عنهم اجمعين
والجواب انهم كانوا قبل البخاري وقبل مسلم  وبالتالي القيام على التصحيح كان من اهتمامهم ..فما صححوه هو الصحيح العالي على مذهبهم والباقي اما يكون منسوخا او اقل درحة في الصحة عند الترجيح  وليس كما يظهره بعض الجهلة والمغفلين انهم قالوا ذلك للخروج من الفتوى فيما لو كان الحديث ضعيفا!! فسبحان الله كيف يتجرؤون على الائمة وكانهم لا يعرفون قواعد التصحيح والاحكام الحديثية ! فان لم يكونوا هم ؟ فمن يكون ؟ من صنع القواعد ووضع الاحكام عليها
اعلموا رحمكم الله ان الاحاديث التي بنيت عليها المذاهب كلها صحيح ومعتمد من قبل الائمة ومن جاء بعدهم من فقهاء المذاهب وما تركوه من احاديث يغلب عليها (لديهم) انها احاديث منسوخة او اقل درجة في الصحة سواء في السند او المتن مما اختاروه 
وعليه يكون ادلة كل مذهب صحيح وقد صححها فقهاء كل مذهب على مر العصور بعد ان قاموا بضبط وتحرير  كامل لكل مسائل الفقهة التي مرت عليهم 

والله الموفق
زياد حبوب ابو رجائي

عمان - الاردن