قال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب الله آية صريحة ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها للاأدلة قاطعة واستدل ابن رشد بقوله تعالى (وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه) [القصص: 55]
وأي دليل في ذلك على تحريم الملاهي والغناء وللمفسرين في ذلك أربعة أقوال:
- الأول: أنها ما زالت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم فيعرضون عنهم.
- الثاني: قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق.
- الثالث: أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه.
- الرابع: أنهم من أناس من أهل الكتاب لم يكونوا من اليهود ولا النصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا به بمكة قصدوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم من قوم اتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم منكم به، قاله ابن العربي في أحكامه فليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية على تحريم الملاهي والغناء.
استدل أيضا بقوله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [يونس: 32]
وهذا كما تقدم أعني لا صراحة فيه ولا تحريم شيء بعينه حتى يكون نصا في عين المسألة المطلوبة
وقد سمع السلف والأكابر الأبيات والألحان وممن قال بإباحاته من السلف: مالك بن أنس وأهل الحجاز كلهم يبيحون الغناء وأما الحداء فأجمعوا على إجازته وقد وردت الأخبار واستفاضت الآثار في ذلك وذكر في ذلك أوارقا لا نطول بذكرها إذا كان موضعها معروفا، وأما الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فأفتى بذلك في البحر الزخار وأورد كل ما استدل به من قال بتحريم السماع، وأجاب بأجوبة لا يشك سامعها في أنها أجوبة صحيحة لا تكاد تنقض فعليك بالأحياء إن أردت الوقوف عليها فإن هذا الكتاب ليس موضعا لذلك والذي في ذلك أني لا اعتقد تحريمه، ولا إباحته على الإطلاق بل على التفصيل بحسب الأشخاص والأحوال
________________________________-
من شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (446/2)