قاعدة في التنزيه عند اهل السن
اللفظ إذا كان له معنى راجح ثم دل دليل أقوى منه على أن ذلك الظاهر غير مراد، علم أن مراد الله بعض مجازات تلك الحقيقة وفي المجازات كثرة. وترجيح البعض على البعض لا يكون إلا بالتراجيح اللغوية فق قانينها التي نل القران بها لقله تعالى
﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)﴾
ويجب عدم تتبع المتشابهات لانها صف للذين زاغت قلوبهم
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ
إنه تعالى بين أن للزائغين غرضين:
أحدهما ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وهي في اللغة الاستهتار بالشيء والغلو فيه.. فكان التمسك بذلك المتشابه يقرر البدعة والباطل في قلبه فيصير مفتونا به عاشقا لا ينقطع عنه تخيله البتة. وقيل: الفتنة في الدين هو الضلال عنه أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم
قال الامام الباقلاني : هؤلاء الزائغون قد ابتغوا المتشابه من وجهين أحدهما أن يحملوه على غير الحق وهو المراد من قوله ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ والثاني أن يحكموا بحكم في الموضع الذي لا دليل فيه وهو قوله وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ
قوله تعالى :
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
الواو في ( والراسخن) هنا ابتدائية استئنافية ليست عاطفة يجب الوقوف قبلها لاثبات خصر معرفة تأويل المتشابه في حق الله تعالى فحسب
اي لا يعلم المتشابه إلا الله وهو قول ابن عباس وعائشة والحسن ومالك بن أنس والكسائي والفراء، ومن المعتزلة قول أبي علي الجبائي
هذه الآية ذم لطالب تأويل المتشابه حيث قال فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ وتخصيص بعض المتشابهات بذلك كطلب وقت الساعة ونحوه ترجيح من غير مرجح، فالذم يتوجه على الكل وهو المطلوب. ومنها أنه تعالى مدح الراسخين في العلم بأنهم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وقال تعالى في أول البقرة: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 26] فهؤلاء الراسخون لو كانوا عالمين بتأويل ذلك المتشابه على التفصيل لما كان لهم في الإيمان به مدح، ولا في قولهم كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا لأن كل من عرف شيئا على التفصيل فإنه لا بد أن يؤمن به إنما الراسخون في العلم هم الذين علموا بالدلائل القطعية أن الله تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها، وعلموا أن القرآن كلام الله تعالى، وأنه لا يتكلم بالباطل والعبث، فإذا سمعوا آية ودلت الدلائل القاطعة على أنه لا يجوز أن يكون ظاهرها مرادا لله تعالى عرفوا أن مراد الله تعالى منه شيء غير ذلك الظاهر، ثم فوضوا تعيين ذلك المراد إلى علمه وقطعوا بأن ذلك المعنى أي شيء كان فهو الحق والصواب.
فهؤلاء هم الراسخون في العلم بالله بحيث لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر ولا عدم علمهم بالمراد عن الإيمان بالله والجزم بصحة القرآن، ولم يصر كون ظاهره مردودا شبهة لهم في الطعن في كلام الله تعالى. ثم إن جعل قوله وَالرَّاسِخُونَ عطفا على اسم اللَّهُ فقوله يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كلام مستأنف موضح لحال الراسخين بمعنى هم يقولون آمنا بالمتشابه كل من عند ربنا أي كل واحد من المحكم والمتشابه من عنده. وفي زيادة عِنْدِ مزيد توضيح وتأكيد وتفخيم لشأن القرآن، ويحتمل أن يعود الضمير في آمَنَّا بِهِ إلى الكتاب أي يقولون، آمنا بالكتاب كل من محكمه ومتشابهه من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ولا يختلف كتابه،
ويحتمل أن يكون قوله يَقُولُونَ حالا إلا أن فيه إشكالا وهو أن ذا الحال هو الذي تقدم ذكره وهاهنا قد تقدم ذكر الله وذكر الراسخين، والحال لا يمكن إلا من الراسخين فيلزم ترك الظاهر. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ما يتعظ إلا ذوو العقول الكاملة الذين يستعملون أذهانهم في فهم القرآن فيعلمون ما الذي يطابق ظاهره دلائل العقل فيكون محكما، وما الذي هو بالعكس فيكون متشابها، ثم يعتقدون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض، فيحكمون بأن ذلك المتشابه لا بد أن يكون له معنى صحيح عند الله وإن دق عن فهومنا. وقيل: هو مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل حتى علموا من التأويل ما علموا.
ومما يؤكد ذلك أن الله تعالى مدح هؤلاء الراسخين بأنهم لا يتبعون المتشابهات بل يؤمنون بها على سبيل الإجمال ويتركون الخوض فيها فيبعد منهم في مثل هذا الوقت أن يتكلموا بالمتشابه، فتكون هذه الآية من أقوى المحكمات وهو ظاهر في أن الإزاغة والهداية كلتيهما من الله تعالى
مثال : استدلال المشبهة بقوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
فإنه لما ثبت بصريح العقل امتناع كون الإله في مكان وإلا لزم انقسامه، وكل منقسم مركب، وكل مركب ممكن. فمن تمسك به كان متمسكا بالمتشابهات
ويحتمل أن يكون قوله يَقُولُونَ حالا إلا أن فيه إشكالا وهو أن ذا الحال هو الذي تقدم ذكره وهاهنا قد تقدم ذكر الله وذكر الراسخين، والحال لا يمكن إلا من الراسخين فيلزم ترك الظاهر. وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ما يتعظ إلا ذوو العقول الكاملة الذين يستعملون أذهانهم في فهم القرآن فيعلمون ما الذي يطابق ظاهره دلائل العقل فيكون محكما، وما الذي هو بالعكس فيكون متشابها، ثم يعتقدون أن الكل كلام من لا يجوز في كلامه التناقض، فيحكمون بأن ذلك المتشابه لا بد أن يكون له معنى صحيح عند الله وإن دق عن فهومنا. وقيل: هو مدح للراسخين بإلقاء الذهن وحسن التأمل حتى علموا من التأويل ما علموا.
ومما يؤكد ذلك أن الله تعالى مدح هؤلاء الراسخين بأنهم لا يتبعون المتشابهات بل يؤمنون بها على سبيل الإجمال ويتركون الخوض فيها فيبعد منهم في مثل هذا الوقت أن يتكلموا بالمتشابه، فتكون هذه الآية من أقوى المحكمات وهو ظاهر في أن الإزاغة والهداية كلتيهما من الله تعالى
مثال : استدلال المشبهة بقوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
فإنه لما ثبت بصريح العقل امتناع كون الإله في مكان وإلا لزم انقسامه، وكل منقسم مركب، وكل مركب ممكن. فمن تمسك به كان متمسكا بالمتشابهات