التقرب إلى الله بالطاعة والعمل بما يرضيه وهذا لا خلاف فيه بين المفسرين كما حكاه ابن كثير - رحمه الله - « تفسير ابن كثير » ( 3 / 96 ) قال تعالى : أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [ الإسراء : 57 ] . والمراد بالوسيلة في الآية الأولى : التقرب إلى الله
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي :
عند تفسير قوله تعالى : { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } (اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى ، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .
فالتقرب إلى الله بما حرم يكون محرما من باب أولى بل هو شديد التحريم لما فيه من المخالفة والمشاققة لشريعة الله وقد توعد الله من فعل ذلك بقوله : ( ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب )
يضاف إلى ذلك أن فيه تشبها بالكفار من النصارى وغيرهم ممن قال الله تعالى فيهم : ( الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا ) وبالمشركين الذين قال فيهم : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) قال العلماء : ( المكاء ) : الصفير و ( التصدية ) : التصفيق
قَالَ النَّبِىّ - صلى الله عليه وسلم - : « َمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » .
أن التقرب إلى الله بالنوافل حتى تستحق المحبة منه تعالى لا يكون ذلك إلا بغاية التواضع والتذلل له. وأن النوافل إنما يزكو ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وأداها.
ورأيت لبعض العلماء في تفسيرمعنى قوله تعالى: « فأكون عينيه اللتين يبصر بهما وأذنيه ويديه ورجليه » قال: وجه ذلك أنه لا يحرك جارحة من جوارحه إلا فى الله ولله، فجوارحه كلها تعمل بالحق، فمن كان كذلك لم تُردّ له دعوة.
كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة ، فكل عمل أو قول عملته أو قلته مما يحبه الله ويرضاه فهو عبادة ، بل كل عادة حسنة عملتها بنية التقرب إلى الله فهي عبادة ، فمعاشرتك الحسنة لأبيك وأهلك وزوجك وأولادك وجيرانك إذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة ، ومعاملتك الحسنة في البيت والسوق والمكتب إذا قصدت بها وجه الله فهي عبادة ، وأداء الأمانة والتزام الصدق والعدل ، وكف الأذى وإعانة الضعيف ، واكتساب الحلال والنفقة على الأهل والأولاد ، ومواساة المسكين وزيارة المريض ، وإطعام الجائع ونصرة المظلوم كل ذلك عبادة إذا قصد به وجه الله ، فكل عمل تعمله لنفسك أو لأهلك أو لمجتمعك أو لبلدك تقصد به وجه الله فهو عبادة .
بل حتى تحقيق شهوات نفسك في حدود ما أباح الله لك تكون عبادة إذا قارنتها نية صالحة ، قال صلى الله عليه وسلم : « وفي بضع أحدكم صدقة . قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر . » (1) .
أن القرب من الله، وتحصيل رضاه، غاية العبد ومنتهاه، من الوجود في الحياة، ويكون بأحد أمرين :
1- الحرص على طاعته، وتحصيل رضاه.
2- والبعد عن معصيته، واجتناب سخطه.
قال صلى الله عليه وسلم : « على كل مسلم صدقة . قيل : أرأيت إن لم يجد ! قال : يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق . قال : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف . قال : قيل له : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يأمر بالمعروف أو الخير . قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال : يمسك عن الشر فإنها صدقة . » (2) .
فاعلم أخي المسلم :
- ان كل عمل يراد به التقرب إلى الله تعالى للحصول على الكمال والسعادة بعد النجاة من الشقاء والخسران ينبغي أن يكون أولا مما شرع الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون ثانيا مؤدىً على نحو ما أداه عليه رسول صلى الله عليه وسلم
- العبادة شاملة محل تصرفات المؤمن إذا نوى بها التقرب إلى الله تعالى، بل لو أكل أحدنا أو شرب أو نام بقصد التقوّي على طاعة الله تعالى؛ فإنه يثاب على ذلك، فهذه العادات مع النية الصالحة والقصد الصحيح تصير عبادات يثاب عليها، فليست العبادة قاصرة على الشعائر المعروفة كالصلاة والصيام ونحوهما.
- إن التقرب إلى الله - تعالى - والتوسل إليه لا يكون بصرف العبادة لغيره ، وإنما يكون بأسمائه وصفاته ، وبالأعمال الصالحة التي أمر بها كالصلاة والصدقة والذكر والصوم والجهاد والحج وبر الوالدين ، ونحو ذلك
ومن الوسائل العملية التي تعينك على التقرب إلى الله عز وجل:
1. التوبة والرجوع إلي الله دائما والعزم على عدم العودة للذنب
2. تذكر الموت، فالموت أكبر واعظ، والمرء مهما عاش فلابد من لقاء الله.
3. عليك بحسن الخلق، فالدين المعاملة، وتصدق لأجل الله، وأمط الأذى عن الطريق، وابتسم في وجه الفقراء، وخالق الناس بخلق حسن .
4. المداومة على قراءة القرآن ومعرفة تفسيره فإن هذا يساعد على تدبر معانيه، واجعل لسانك دائما رطباً بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5. التقرب إلى الله بالنوافل كقيام الليل الذي هو شرف المؤمن، وصلاة الضحى وباقي السنن والإكثار من صيام النوافل.
6. زيارة المقابر و اتباع الجنائز، فهذا يرقق قلبك ويدفع بك إلى السعي للآخرة.
(1) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة ، حديث : 1006 .
(2) رواه البخاري في كتاب الزكاة ، باب 29 ، ومسلم في كتاب الزكاة ، حديث 1108 ، واللفظ له .