بداية.. هذا ليس تهاونا في الامر بقدر ما نجنيه من معرفة الاحكام التي لها علاقة بالتكفير غير المنضبط .. فتحرير محل النزاع يساهم في ادراك التصور كفرع عن الحكم .. ويجب عدم المسارعة بالتكفير لامكان وجود مرجحات للباطن على الظاهر كما سأبين تاليا:
(أولا). اتفقت المذاهب الاربعة على ان سب الدين كفر لفظي ... ثم اختلفوا على اطلاق لفظ كافر مرتد على الشخص المعين على قولين :
[1] . القول الاول : كافر مرتد وعليه تجري احكام الردة من وجوب الدخول في الدين مرة اخرى بالنطق بالشهادتين
ثم اختلفوا في هل يجري عليه احكام الردة كاملة مثل التفريق بينه وبين زوجته المسلمة ومعاملته معاملة الكافر الاصلي في عدم الصلاة عليه اذا مات او الدفن في مقابر المسلمين .. او يكتفى بالنطق بالشهادتين كشهادة على دخول الاسلام من جديد
[2] . القول الثاني : عاص فاجر لنفاقه الاعتقادي وعليه التوبة والندم والعزم على الا يعود وعليه ما على المسلمين لا يكفر بذنب وحسابه على الله تحت المشيئة ان شاء عذبه وان شاء غفر له ..
(ثانيا ). ثم هؤلاء اختلفوا كذلك في القصد على اعتبارين قصد الفعل وقصد الفاعل
كما سأبين بالتفاصيل التالية :
1. قصد الفعل له متعلقان . التعمد والخطأ
اما التعمد فهو قرينة تصرف قصد الفعل الى قصد الفاعل وهو من مرجحات الحكم بالظاهر كما قال السبكي في الاشباه
1.1 : وحد التعمد هو تكرار الفعل عن سابق علم ..فمتى توفرت هذه الشروط من اقامة الحجة عليه وتبليغه صحيح الحكم فعلم به فحينها يكون المقام ما ينوب عن المقال بقصد تحقق ذلك على غلبة الظن في القلب فانه قد استحله.... فالحكم عليه بالردة قائم
لوجود مرجح للظاهر على الاستحلال القلبي!
2.1: حد الخطأ عدم تكرار الفعل او القول... الخطا وسبق لسان او على سبيل السب والايذاء للشخص فانه يكفي انه يكذب نفسه في انه لا يقصد الدين الاسلامي وان ما قاله باطل وإني نادم على ما فعلت، ولا أعود إليه، وما كنت محقا فيه، وقد تبت منه واستغفر الله...
2. قصد الفاعل وهي النية ما استقر في القلب حد بلوغ الجزم ...
(ثالثا) قصد الفعل والظاهر كقرينة ومرجح:
وله تعلق بالدلالات مثال قالوا : وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ ... وأن التورية هنا فيما لا يحتمله اللفظ لا تفيد فيكفر باطنا أيضا
فالخلاف دائر على اختلاف بالدلالة على قسمين
1. دلالة الاشارة من اللفظ وهي الدلالة على المعنى غير المتبادر اصالة او تبعا وهو غرض ثان يدل عليه اللفظ بامكان تحقيق المعنى وهو لازم المعنى
2. دلالة الاقتضاء وهي الدلالة المبنية على تقدير المعنى ولا يستقيم معناه الا به
فدلالة الاشارة قائمة من لفظ السب يحتمل امكان التنقيص والتحقير . ومقتضى ذلك الطعن في الاسلام والشرع
1. ككراهة سب الريح لامكان وجود اللازم وهو سب من ارسلها وهو الله تعالى فيجب الاستفصال به وهذه ما يفرق بين القصدين الذي اشترطهما الشيخ عليش من المالكية..بعدم انتهاكه للشرع اي أن له نوع عذر، وإن كنا نقضي عليه بالإثم بل والفسق إن أدام وتعمد ذلك فالتعمد شاهد قوي على القصد القلبي للقاعل فيحكم عليه بالردة وفسخ عقد الزواج..
2. العناد يقوم مقام التعمد... لا يخلو عن استهزاء / ووفق القاعدة الاصولية مما يرجح فيه الظاهر جزما أن يضعف اعتماد الأصل لمعارض فيبقى الظاهر سالما عن المعارض.
قال السبكي فإنه لا يصدق ظاهرا إلا بقرينة؛ لأن الظاهر من حال البالغ العاقل أنه لا يتكلم إلا عن قصد(الاشباه 19/1)
3. قرينة اخرى ما فيه من معرة أو نقص ينسب إليها ويلزم منها وهذا محل الإنكار.. لانها مخلة بكمال التعظيم
ولكل مقام مقال ولكل محل حكم يناسبه
4. يرجح الأصل (الاسلام) على الأصح أن استند الاحتمال إلى سبب ضعيف
وهنا بلا شك امكانية ان يكون السب شتم للشخص لا للشرع قائمة وقوية عرفا في بلد انتشرت فيه هذه البلوى...
فيكون الترجيح بين الاصل الغالب (الاسلام) وبين الظاهر لأنهما اذا تعارضا تساقطا
(رابعا) : اقوال المذاهب في القصد والحكم
1. الشافعية : التي توجب الكفر هي التي تصدر عن تعمد !! واستهزاء بالدين صريح .... وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر، سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء (الشرح الكبير 98/11)
2. الاحناف : مقتضى كلام فقهاء الحنفية -كما يقول ابن عابدين في "رد المحتار 4/230) أنه لا يكفر بشتم دين مسلم؛ أي لا يحكم بكفره لإمكان التأويل بأن مراده أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام .... فإنهم لا يخطر على بالهم هذا المعنى أصلا، فينبغي أن لا يكفر حينئذ، .. ومفهومه: أنه لا يحكم بفسخ النكاح ...وأما أمره بتجديد النكاح فهو لا شك فيه احتياطا
3.المالكية : إن قصد الشريعة المطهرة والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر قطعًا.. وإن قصد حالة شخص وتَدَيُّنَه فهو سب المسلم؛ ففيه الأدب باجتهاد الحاكم، ويفرق بين القصدين بالإقرار والقرائن ( فتح العلي 347/2)
اقول :
فان اعتبر محرما شرعا فهو من باب الفسوق وهو على خطر عظيم كذلك حتى لا نهوّن بالامر.... وارتكاب المحرمات ليس بكفر، ولا يستلب به اسم الإيمان، والفاسق، إذا مات، ولم يتب، لا يستحق الخلود في النار...
(خامسا) فتاوي دائرة الافتاء الاردنية والمصرية :
1. فتوى الافتاء الاردنية رقم (2048)
إن كان السّاب لا يقصد سبّ الدين الإسلامي أو الاستهزاء به أو كان من سبق اللسان، فإن ذلك يُعدّ من القول الباطل المحرم، وعليه التوبة والاستغفار إبراءً لذمته أمام الله تعالى
وإن كان يقصد بهذا اللفظ الانتقاص من الدين الإسلامي -والعياذ بالله- فهو تقرير ردة من يسب الذات الإلهية أو الدين الإسلامي في الفتوى 611
2. فتوى دائرة الافتاء المصرية رقم (638)
[لا يُفتَى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، وأن من ذلك ما يقع من العامة من سب الدين، فإنه يمكن حمل كلامهم على محمل حسن؛ لأنهم لا يقصدون سب دين الإسلام] اهـ. وقالوا : مَن شتم دينَ مسلم فإنه لا تجوز المسارعة إلى تكفيره؛ لأنه وإن أقدم على أمر محرَّم شرعًا إلا أنه لَمّا كان محتملًا للدِّين بمعنى تدين الشخص وطريقته فإن هذا الاحتمال يرفع عنه وصف الكفر، إلا أنه مع ذلك لا ينفي عنه الإثم شرعًا؛ لأنه أقدم على سب مسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»
(سادسا) .فسخ عقد الزواج:
1.6 : اختلفوا هل الردة فسخ للعقد ام طلاق :
والجمهور ( الشافعية والحنابلة والحنفية ) فسخ لعقد الزواج (كالخلع) لا يعتبر طلاقا ويمكن العودة اكثر من ثلاث
(المالكية) قالوا يعتبر طلاقا وينتهي بالثلاث بعدم العودة اليه لانه يائن بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره
2.6: ما يترتب على فسخ العقد
الجمهور ( الشافعية والاحناف والحنابلة) : لا تحل له إن تاب إلا بعقد ومهر جديدين ولا تحصل الفرقة إلا إذا انقضت العدة (كالطلاق)، ولم يتب، مع منع الوطء قبل التوبة وعلى هذه المرأة أن تمنع نفسها من هذا الرجل ومحل ذلك ما لم يصدر منها ما يدل على الرضا ... ولا تقع الفرقة بينه وبين زوجته حتى تمضي عدة الزوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت العدة بانت منه، وبينونتها منه فسخ لا طلاق، وإن عاد إليها قبل انقضائها فهي امرأته...
(سابعا) . الخلاصة يجب عدم المسارعة الى التكفير .. ومحاولة تصحيح عقائد الناس بدلا من تكفيرهم ....
والله تعالى أعلم...
كتبه : زياد حبوب ابو رجائي