بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

زوج يسب الرب والدين فما حكم الزوجة


د. زياد حبوب أبو رجائي
سألني أحد الافاضل من الاصدقاء على صفحتي في الفيسبوك السؤال التالي

السلام عليكم شيخنا ورحمة الله : زوجة متدينة تسأل عن وضعها مع زوجها الذي يكثر من سب الجلالة والدين كأغلب شبابنا المساكين . هل يعذر المرء بالوسط الذي تربى فيه ؟وهل لانعدام القاضي الشرعي المخول له الحكم بالردة والتكفير العيني اثر في اعتبار الزوجة زوجها كافرا لاقدامه على فعل كفري كالسب ؟
شكرا لك على تواضعك وسعة صدرك وسرعة جوابك وانا متفهم واتابعك ...الزوجة تؤكد انه يسب في البداية تعودا وعند الغضب العادي  ثم لما تراجعه وتقف له يعاند فيسب قصدا ثم لما تغادر بيت الزوجية يستغفر ويتشهد امامها بل ويصلي وبشهد اهلها على ذلك ...ثم يرجع للسب عند اول موقف ...وهي اليوم في بيت اهلها وقالت لن ارجع الا بفتوى واضحة انني حلال له بعد مرات ومرات من الفعل الكفري

والجواب عندي ما يلي
أنا أخشى اطلاق الكفر على اي مسلم ثبت ايمانه بيقين لقوله عليه الصلاة والسلام «من كفر مسلم فقد حار الكفر على أحدهما» ينبغي التحفظ والاحتياط من التجرؤ على التكفير ومن باب قول علماء اهل السنة إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى ابقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه (شرح الشفا/الامام القاري 499/2) وهذه المقولة تنسب للامام مالك رضي الله عنه....

من هنا نظرتنا الى هذه المسألة

السب والشتم : هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف والاستهزاء سواء جادا او مازحا بقصد قلبي او بغير قصد قلبي

فبنظر الى حال الشاتم:-
(1). اذا تبين بيقين على وجه الجزم انه لغو فلا يعتبر ردة وانما فجور وفسوق على قول جمهور العلماء .. وكفرهم هذا كفر لفظي ليس كفر قلبي لانه منتج عن الجهل وعن سوء التربية وقد يكون عن غفلة ويسب امام زوجته قصد استفزازها وليس قصد الكفر والجحود !!

اما اذا :-

(2). اذا كان الشاتم يقصد انتقاص واستهزاء بالله او بالدين او بالرسول والاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله  فانه أقبح وأشنع أنواع المكفِّرات القولية
لقوله تعالى {قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}
فهذا بلا شك ردة ويحمل عليها احكام الردة كما سابين لاحقا
 في هذه الحالة قال جمهور العلماء : يكون كافراً يستتاب
والاستتابة من ولي الامر في المحاكم الشرعية في البلد وليس لمن شاء جماعات او افراد !!... ويلزمه نطق بالشهادتين وما يلحق من احكام لدخول الكافر للاسلام
واذا تعذرت رفع قضيته للمحاكم الشرعية لاي سبب كان يكون تعامل الزوجة المسلمة كما يلي:

فاذا تعاملنا معه على انه كافر ومرتد وجب علينا استتابته  وهكذا حمل العلماء توبة الشاتم  واقترن ذلك بالتعزير حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة وهنا التعزير قالوا امتناع الزوجة نفسها عن وطئها
قال العلماء موانع التكفير لمن لم يقصد الاستهزاء منها الغضب  فلا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون ؛ فالغضب مانع من اطلاق الكفر عليه او تعيينه بالكافر... قياسا على شدة الفرح التي جعلت الاعرابي يقول قولا كفريا!
رجل كان في السفر ومع بعيره عليها طعامه وشرابه، فضاعت عنه بعد ان نام فاستيقظ، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت.. ولما استيقظ في المرة الثانية فاذا هي بجانبه عادت اليه
قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) بدلا من: أنت ربي وأنا عبدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يقل: هذا كافر!!
وقالوا : «لا طلاق في إغلاق» اي اذا طلق وقت الغضب .. والشاهد هنا ان الغضب مانع من موانع ايقاع الطلاق وايقاغ الكفر
وشاهد ذلك انه يتوب ويعود ثم يتوب لكنه حينما يغضب يشب ويشتم...ويستغفر الله فورا بعد أن يهدأ استغفر وتاب
لهذا من نطق بالكفر فليس عليها إلا أن تذكره، وأن تأمره بالمعروف وأن تنهاه عن المنكر فإن تاب فبها ونعم وإلا فأمره إلى الله.. لانه لا يعلم ما في القلوب الا الله ..ويخرج من ذلك من علمت على وجه الجزم واليقين انه يقصد الاستهزاء وجحودا فيلحق بالمرتد قولا واحدا بين علماء اهل السنة قاطبة

الان نقطة مهمة:
لا يدخل في هذا من يسب وهو غضبان حتى لو كان غضبا شديدا ولكنه يعي ما يقول!! فانه في هذه الحالة يكون كمن في حالة القصد القلبي وهو كفر مخرج من الملة ويعامل معاملة المرتد في احكام الزواج كما بينها فقهاء المذاهب الاربعة رضي الله عنه..
هذا من حيث التكفير ...

عقد الزواج:

اما من حيث عقد الزواج فللائمة قول حاسم في هذه المسألة ..وعليه يكون الحكم وفق المذاهب الاربعة للحالتين :
اتفاقا ان مذاهب اهل السنة الاربعة بان سب الرب هي ردة عن الاسلام  واختلفوا هل الردة فسخ للعقد ام طلاق :

والجمهور ( الشافعية والحنابلة والحنفية ) فسخ لعقد الزواج (كالخلع) لا يعتبر طلاقا ويمكن العودة اكثر من ثلاث
(المالكية) قالوا يعتبر طلاقا وينتهي بالثلاث بعدم العودة اليه لانه يائن بينونة كبرى فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره

فسخ العقد
الجمهور ( الشافعية والاحناف والحنابلة) : لا تحل له إن تاب إلا بعقد ومهر جديدين ولا تحصل الفرقة إلا إذا انقضت العدة (كالطلاق)، ولم يتب، مع منع الوطء قبل التوبة وعلى هذه المرأة أن تمنع نفسها من هذا الرجل ومحل ذلك ما لم يصدر منها ما يدل على الرضا
وهذا ما فتت به دائرة الافتاء في الاردن قرار رقم: (74) سب الذات الإلهية رِدّة عن الإسلام : ولا تقع الفرقة بينه وبين زوجته حتى تمضي عدة الزوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، فإذا انقضت العدة بانت منه، وبينونتها منه فسخ لا طلاق، وإن عاد إليها قبل انقضائها فهي امرأته..

ولها ان تطلب الطلاق لفسوق أحد ‏الزوجين أو فجوره، أو عدم أدائه العبادات المفروضة كالصلاة والصيام، وقد صبر عليه ‏شريكه، ونصحه، وجاء له بمن ينصحه فلم يرعو، وأخذته العزة بالإثم، فللزوجة -إن كان ‏زوجها كذلك- أن تسأله الطلاق، فإن أبى فلها أن ترفع أمرها للقضاء ليرفع عنها الضرر.‏

والنصيحة لها اذا كان حال زوجها هكذا دون الجزم والتيقن انه يقصد الاهانة والاستهزاء والكفر والفجور:
ان تاخذ بقول الجمهور بفسخ العقد لا الطلاق وتمتنع عنه حتى يتوب واذا تاب قبل العدة فالعقد صحيح وان تتجنب العودة له اذا أمضت العدة الا بعقد جديد والا اصبح زنا على قول جمهور العلماء ...
وأن ترفق بزوجها، وأن لا تعين الشيطان عليه ، بل تُخوِّفه بالله عز وجل، وتجتنب معه أسباب المشاحنة والمباغضة إن تاب وعاد إلى الإسلام وحسن التبعل والمعاشرة لعل يكون ذلك سببا له لتوقفه عن السب والشتم...
وعلى الزوج ان يعلم ان النطق بالكفر وان كان غير قاصد الاستهزاء او الكفر فانه معصية وكثرة تكرار المعصية يخشى ان تكون كبيرة على قول جمهور اهل السنة والكبيرة من الكبائر ترتب عليها الوعيد الشديد ... فليرحم نفسه ولا يظلم نفسه في الاصرار على هذه المعصية فانها جريمة من الجرائم
قال تعالى لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

والله تعالى اعلم