قال ابن تيمية /
أَن مَعَ إِذا أطلقت فَلَيْسَ ظَاهرهَا فِي اللُّغَة إِلَّا للمقارنة الْمُطلقَة من غير وجوب مماسة وَلَا محاذاة عَن يَمِين أَو شمال فَإِذا قيدت بِمَعْنى من الْمعَانِي دلّت على الْمُقَارنَة فِي ذَلِك الْمَعْنى فَإِنَّهُ يُقَال مَا زلنا نسير وَالْقَمَر مَعنا والنجم مَعنا وَيُقَال هَذَا الْمَتَاع مَعنا وَهُوَ لمجامعته لَك وَإِن كَانَ فَوق رَأسك فَإِنَّمَا الله مَعَ خلقه حَقِيقَة وَهُوَ فَوق الْعَرْش حَقِيقَة ثمَّ هَذِه الْمَعِيَّة تخْتَلف أَحْكَامهَا بِحَسب الْمَوَارِد
رد الشبهة
1. أَولا مَا معنى قَوْلك إِن مَعَ فِي اللُّغَة للمقارنة الْمُطلقَة من غير مماسة وَلَا محاذاة وَمَا هِيَ الْمُقَارنَة فَإِن لم يفهم من الْمُقَارنَة غير صفة لَازِمَة للجسمية حصل الْمَقْصُود وَإِن فهم غَيره فليتنبه حَتَّى تنظر هَل تفهم الْعَرَب من الْمُقَارنَة ذَلِك أَو لَا
2. ثمَّ قَوْله فَإِذا قيدت بِمَعْنى من الْمعَانِي دلّت على الْمُقَارنَة فِي ذَلِك الْمَعْنى
فَنَقُول لَهُ وَمن نحا ذَلِك فِي ذَلِك
3. قَوْله إِنَّهَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع كلهَا بِمَعْنى الْعلم
قُلْنَا من أَيْن لَك هَذَا
فَإِن قَالَ من جِهَة قَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} الْآيَة دلّ ذَلِك على الْمَعِيَّة بِالْعلمِ وَأَنه على سَبِيل الْحَقِيقَة
فَنَقُول لَهُ قد كلت بالصاع الوافي فَكل لنا بِمثلِهِ وَاعْلَم أَن فَوق كَمَا يسْتَعْمل فِي الْعُلُوّ فِي الْجِهَة كَذَلِك يسْتَعْمل فِي الْعُلُوّ فِي الْمرتبَة والسلطنة وَالْملك وَكَذَلِكَ الاسْتوَاء فيكونان متواطئين كَمَا ذكرته حرفا بِحرف وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَهُوَ القاهر فَوق عباده} وَقَالَ تَعَالَى {وَفَوق كل ذِي علم عليم} وَقَالَ الله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن قوم فِرْعَوْن {وَإِنَّا فَوْقهم قاهرون} وَقَالَ تَعَالَى {ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات} وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ المُرَاد جِهَة الْعُلُوّ فأعد الْبَحْث وَقل فَوق الْعَرْش بِالِاسْتِيلَاءِ
وَكَذَا فِي حَدِيث الأوعال وَمَا فعلته فِي مَعَ فافعله فِي فَوق وَخرج هَذَا كَمَا خرجت ذَلِك وَإِلَّا اترك الْجَمِيع
ثمَّ قَوْله وَمن علم أَن الْمَعِيَّة تُضَاف إِلَى كل نوع من أَنْوَاع الْمَخْلُوقَات وَأَن الاسْتوَاء على الشَّيْء لَيْسَ إِلَّا الْعَرْش
قُلْنَا حَتَّى نبصر لَك رجلا استعملها يعلم مَا تَقوله من غير دَلِيل فَإنَّك إِن لم تقم دلَالَة على ذَلِك وَإِلَّا أبرزت لَفْظَة تدل على تَحت فَوق للاستواء فِي جِهَة الْعُلُوّ فليت شعري من أَيْن تعلم أَن الْمَعِيَّة بِالْعلمِ حَقِيقَة وَأَن آيَة الاسْتوَاء على الْعَرْش وَحَدِيث الأوعال دالان على صفة الربوبية بالفوقية الْحَقِيقِيَّة اللَّهُمَّ غفرا هَذَا لَا يكون إِلَّا بالكشف وَإِلَّا فالأدلة الَّتِي نصبها الله تَعَالَى لتعرف بهَا ذَاته وَصِفَاته وشرائعه لم يُورد هَذَا الْمُدَّعِي مِنْهَا حرفا وَاحِدًا على وفْق دَعْوَى وَلَا ثَبت لَهُ قدم إِلَّا فِي مهوى
4. ثمَّ قَوْله لَا يُوصف الله تَعَالَى بالسفول والتحتية لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا لَيْت شعري من ادّعى لَهُ هَذِه الدَّعْوَى حَتَّى يُكَلف الْكَلَام فِيهَا