تبدأ حكاية هذه الافعال بمدار حول الخبر ، فالمتجه اللغوي في هذه الافعال يبدأ بالتمني لوقوع هذا الخبر ؛ ثم عندما يقترب هذا الخبر من الوقوع ؛ إلى أن ينتهي حدوثه على الواقع فعلا.
والأفعال التي لها دلالة الرجاء والتمني لوقوع الخبر تسمى بأفعال « الرجاء » وهي: عسى، وحرى، واخلولق.
والأفعال التي تدل على قرب وقوع هذا الخبر تسمى بأفعال « المقاربة » وهي : كاد، وكرب، وأوشك.
والافعال التي تؤكد حدوث الخبر فعلا تسمى بأفعال « الشروع » وهي: شرع، وأنشأ، وأخذ، وطفق، وجعل، وعلق، وقام، وأقبل، وهب، وبدأ ، وابتدأ ، وقام ، وانبرى وتدل على الشروع والبدء في الخبر. وهي كل فعل ماضٍ بمعنى بدأ
- وهي أفعال ناقصة وتدخل في حكم النواسخ (1). وينطبق على كاد وأخواتها ما ينطبق على كان وأخواتها من أحكام
- يشترط بالخبر أن يكون فعلا مضارعاً ،أي: أنه لا يكون إلا جملة فعلية.
- الخبر : فعل مضارع مسند إلى ضمير يعود إلى اسمها .
- وجوب تاخير الخبر عن الفعل واسمه
أولاً : جواز اقتران الفعل المضارع بأن في أفعال الرجاء والمقاربة
(1) مسبوقاً بأن المصدرية ، مع الفعل : «أوشك» و « عسى»
مع جواز عدم الاقتران بان المصدرية إلا ان الغالب في استعمالها كما تقرره لغة العرب هو الأفتران.
مثال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوه بيده ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه "(2)
مثال : قال تعالى : « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا » (79: الإسراء)
(2) غير مسبوق بأن المصدرية ، مع الفعل : «كاد» و «كرب» ،
مع جواز الاقتران بان المصدرية ( لم يقع في القرآن ) إلا ان الغالب في استعمالها كما تقرره لغة العرب هو عدم الأفتران. فالشائع في خبر كاد أن يكون فعلاً مضارعاً غير مقترن بأن المصدرية الاستقبالية.
مثال(بدون أن المصدرية) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك "(3) .
( لاحظ : أن فاعل يقتله ضمير يعود على الكلب "وهو اسم الفعل "كاد" )
مثال (بوجود أن المصدرية) : قال رسول الله : "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وإنه كاد أن يبطىء بها "(4)
ثانياً : امتناع اقتران الفعل المضارع بأن في أفعال الشروع
فتمتنع أخبار جميع أفعال الشروع الاقتران بأن ، والعلة بما يسببه هذا الاقتران من تناقض ظاهري حيث أن المقصود من هذه الأفعال حدوث الخبر في الحال ، بخلاف " أن " التي من خصائصها : الاستقبال ، فيحصل التناقض باقتران أخبار تلك الأفعال بها .
مثال :
عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا : « لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طَفِقَ يطرح خميصة على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال - وهو كذلك - : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » ، يحذر ما صنعوا " (5) .
فوائد في هذا الباب
أوشك : فعل ماض مبني على الفتح يجوز فيه التمام ، والنقصان .
عسى : فعل ماض مبني على الفتح يجوز فيه التمام ، والنقصان .
إن وقع بعد المضارع المنصوب اسم مرفوع ظاهر جاز أن تكون تامة وأن، تكون ناقصة.
مثالا :
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه"(6)
أخذ الولد الكتاب » أخذ هنا بمعنى مسك فلا تكون هنا من افعال الشروع واعرابها فعل وفاعل ومفعول به فيكون هذا الفعل تاماً بخلاف اذا جاء الفعل :
أخذ الولد يلعب » أخذ هنا بمعنى بدأ وعليه يكون الفعل ناقصا بمعنى ان "الولد" اسمها و "يلعب" خبرها
أنشأ المهندس بيتا » انشأ بمعنى بنى بخلاف قولنا : أنشأ المهندس يبني بيتا ، فحينئذ يكون اعرابها أنشأ : فعلا ناقصا من أفعال الشروع بمعى بدأ والمهندس اسمها والجملة الفعلية خبرها.
(1) سميت ناسخة لأنها تنسخ الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، أي تغير في حركة الخبر إذا دخلت عليه فتنصبه ويسمى خبرها ، بمعنى : ترفع المبتدأ اسماً لها وتنصب الخبر فتغير حكمه.
(2) صحيح الجامع 1973 ،أخرجه أحمد ( رقم 1 و 16 و 29 و 53 ) و أبو داود ( 2 / 217 ) و الترمذي ( 2 /25 و 177 )و قال الترمذي و اللفظ له : " هذا حديث حسن صحيح " ، و ابن ماجة ( 2 / 484 ) و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 62 - 64) ، والألباني في السلسلة الصحيحة " 4 / 88
(3) متفق عليه ، وصحيح الجامع 4163 .
(4) صحيح ، المشكاة ( 3694 ) ، صحيح الجامع ( 1724 )
(5) رواه البخاري برقم ( 435 ، 436 - 3453 ، 3454 - 4443 ، 4444 - 5815 ، 5816 ) بلفظ « لعنة الله على اليهود والنصارى . . . » ، ومسلم بنحوه برقم ( 1187 ) .
(6) صحيح، وهو مخرج في المشكاة" "5142".
والأفعال التي تدل على قرب وقوع هذا الخبر تسمى بأفعال « المقاربة » وهي : كاد، وكرب، وأوشك.
والافعال التي تؤكد حدوث الخبر فعلا تسمى بأفعال « الشروع » وهي: شرع، وأنشأ، وأخذ، وطفق، وجعل، وعلق، وقام، وأقبل، وهب، وبدأ ، وابتدأ ، وقام ، وانبرى وتدل على الشروع والبدء في الخبر. وهي كل فعل ماضٍ بمعنى بدأ
- وهي أفعال ناقصة وتدخل في حكم النواسخ (1). وينطبق على كاد وأخواتها ما ينطبق على كان وأخواتها من أحكام
- يشترط بالخبر أن يكون فعلا مضارعاً ،أي: أنه لا يكون إلا جملة فعلية.
- الخبر : فعل مضارع مسند إلى ضمير يعود إلى اسمها .
- وجوب تاخير الخبر عن الفعل واسمه
أولاً : جواز اقتران الفعل المضارع بأن في أفعال الرجاء والمقاربة
(1) مسبوقاً بأن المصدرية ، مع الفعل : «أوشك» و « عسى»
مع جواز عدم الاقتران بان المصدرية إلا ان الغالب في استعمالها كما تقرره لغة العرب هو الأفتران.
مثال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوه بيده ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه "(2)
مثال : قال تعالى : « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا » (79: الإسراء)
(2) غير مسبوق بأن المصدرية ، مع الفعل : «كاد» و «كرب» ،
مع جواز الاقتران بان المصدرية ( لم يقع في القرآن ) إلا ان الغالب في استعمالها كما تقرره لغة العرب هو عدم الأفتران. فالشائع في خبر كاد أن يكون فعلاً مضارعاً غير مقترن بأن المصدرية الاستقبالية.
مثال(بدون أن المصدرية) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك "(3) .
( لاحظ : أن فاعل يقتله ضمير يعود على الكلب "وهو اسم الفعل "كاد" )
مثال (بوجود أن المصدرية) : قال رسول الله : "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وإنه كاد أن يبطىء بها "(4)
ثانياً : امتناع اقتران الفعل المضارع بأن في أفعال الشروع
فتمتنع أخبار جميع أفعال الشروع الاقتران بأن ، والعلة بما يسببه هذا الاقتران من تناقض ظاهري حيث أن المقصود من هذه الأفعال حدوث الخبر في الحال ، بخلاف " أن " التي من خصائصها : الاستقبال ، فيحصل التناقض باقتران أخبار تلك الأفعال بها .
مثال :
عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا : « لما نُزِل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طَفِقَ يطرح خميصة على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال - وهو كذلك - : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » ، يحذر ما صنعوا " (5) .
فوائد في هذا الباب
أوشك : فعل ماض مبني على الفتح يجوز فيه التمام ، والنقصان .
عسى : فعل ماض مبني على الفتح يجوز فيه التمام ، والنقصان .
إن وقع بعد المضارع المنصوب اسم مرفوع ظاهر جاز أن تكون تامة وأن، تكون ناقصة.
مثالا :
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب فقال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه"(6)
أخذ الولد الكتاب » أخذ هنا بمعنى مسك فلا تكون هنا من افعال الشروع واعرابها فعل وفاعل ومفعول به فيكون هذا الفعل تاماً بخلاف اذا جاء الفعل :
أخذ الولد يلعب » أخذ هنا بمعنى بدأ وعليه يكون الفعل ناقصا بمعنى ان "الولد" اسمها و "يلعب" خبرها
أنشأ المهندس بيتا » انشأ بمعنى بنى بخلاف قولنا : أنشأ المهندس يبني بيتا ، فحينئذ يكون اعرابها أنشأ : فعلا ناقصا من أفعال الشروع بمعى بدأ والمهندس اسمها والجملة الفعلية خبرها.
(1) سميت ناسخة لأنها تنسخ الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر، أي تغير في حركة الخبر إذا دخلت عليه فتنصبه ويسمى خبرها ، بمعنى : ترفع المبتدأ اسماً لها وتنصب الخبر فتغير حكمه.
(2) صحيح الجامع 1973 ،أخرجه أحمد ( رقم 1 و 16 و 29 و 53 ) و أبو داود ( 2 / 217 ) و الترمذي ( 2 /25 و 177 )و قال الترمذي و اللفظ له : " هذا حديث حسن صحيح " ، و ابن ماجة ( 2 / 484 ) و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 62 - 64) ، والألباني في السلسلة الصحيحة " 4 / 88
(3) متفق عليه ، وصحيح الجامع 4163 .
(4) صحيح ، المشكاة ( 3694 ) ، صحيح الجامع ( 1724 )
(5) رواه البخاري برقم ( 435 ، 436 - 3453 ، 3454 - 4443 ، 4444 - 5815 ، 5816 ) بلفظ « لعنة الله على اليهود والنصارى . . . » ، ومسلم بنحوه برقم ( 1187 ) .
(6) صحيح، وهو مخرج في المشكاة" "5142".
-------------------------------------------------------
مسألة عسى المتصلة بضمير
الحقيقة أن: هذا من المواضع المشكلة، لأن حق الضمير المتصل بعسى أن يكون بصيغة المرفوع. وسأكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها .
وبداية أذكر بهذه الحقائق حول ( عسى ) كما جاء في الموضوع اعلاه ليتقرب الى الاذهان ما سيأتي لاحقا:
من المعلوم أن أفعال المقاربة هي: أفعال ناسخة و( عسى ) منها؛ لذلك : فأن حكمها حكم كان , ترفع الاسم وتنصب الخبر , كما قال ابنُ مالك في الخلاصة : ككان كاد وعسى لكن ندر غير مضارع لهذين خبر
ومن اختلافات النحاة في (عسى) هل هي فعل(1) أو حرف(2) ؟ والراجح الأول وهو قول الجمهور
ومن اختلافهم -ايضا-، إذا اتصل بها ضمير نصب : هل تحافظ على الفعلية أم تصير بذلك حرفا
وهذه الاقوال :
أولاً : قول سيبويه(3)، وهو أن عسى: حرف بمنزلة لعل ينصب ما بعدها وهو الاسم، والخبر مرفوع، والكاف اسمها وهي منصوبة، واستدل على النصب في عساك بقول: عساني، والنون والياء فيما آخره الألف لا تكون إلا للنصب.(4)، أي ان (عسى) محمولة على (لعل) لتقاربهما معنى.ثانياً : قول الأخفش: إن الكاف والياء والنون في موضع رفع، وحجته أن لفظ النصب استعير للرفع في هذا الموضع كما استعير له لفظ الجر في لولاي ولولاك.(5) أي: عسى باقية على أصلها، والضمائر المنصوبة بعدها قائمة مقام المرفوعة، اسما لعسى. فاللازم على مذهبه إنما هو التجوز في الضمير بجعل ضمير النصب مكان ضمير الرفعثالثاً : قول المبرد: إن الكاف والياء والنون في عساك وعساني في موضع نصب بعسى، فإن اسمها فيها مرفوع، وجعله كقولهم: عسى الغوير أبؤساً، وحكي انه قدم فيها الخبر لأنها فعل، وحذف الفاعل لعلم المخاطب به فعل صحيح لا يدخله الاختلاف فيه.(6) ووافقه الفارسي في مذهبه هذا. وباختصار فإن الذي كان اسما جعل خبرا، والذي كان خبرا جعل اسما.
إذن: يتضح ان مذهب سيبويه والمبرد والأخفش أبقى (عسى) المتصلة بالضمير على ما هوعليه من عمل؛ أي: اتفقا على أنه في محل نصب وإن افترقا في أن سيبويه يقول: هو اسم والمبرد يقول: هو خبر مقدم. اما الأخفش فقال: أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع.
وقال صاحب النحو الوافي عباس حسن: فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان؛ وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية(8). وبعدها عن التكلف والتعسف الظاهر، ولأن حجة شيخ النحاة سيبويه حجة معتبرة
فالقياس أن نقول: عساكم طيبين؛ لأن عسى تعمل عمل كان فترفع الاسم وتنصب الخبر، ولكن الأحسن أن نقول: عساكم طيبون
لأن القاعدة: إذا اتصل بـ ( عسى ) ضمير نحو ( عساك، وعساي، وعاساهم ) فإنها تشبه ( لعل ) ولهذا حملت عليها في العمل، فصارت تنصب الاسم وترفع الخبر.
وخلاصة ما سبق أن الصّواب أن يُقال (عساكم طيّبون) والله أعلم .
وعليه قس كل الجمل التى تأتي في سياق عسى المقترنة بضمير متصل.
(1) والدليل على فعليته اتصال ضمائر الرفع البارزة به، نحو: عسيت، وعسيتهم، ولحاق تاء التأنيث له، نحو: عست هند أن تقوم
(2) قاله ابن السراج ( محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي 316هـ) في كتابه: الأصول في النحو.
(3) أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ( سيبويه (148-188هـ، 769 -804م). أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر. رائد النحو العربي وعالم اللغة، وأول مُنظّر في قواعد العربية وإمام هذا المجال وصاحب المؤلف الشهير الكتاب. و¸سيبويه: كلمة فارسية معناها ¸رائحة التفاح، ويقال: إن أمّه كانت تطلق عليه ذلك على سبيل التدليل وهو صغير. وهو فارسي الأصل من مدينة البيضاء، ومنشؤه بالبصرة. مع اختلاف في مولده ووفاته. وكانت ملازمته للخليل أكثر، وأخذ عنه كثيرًا، روى النطاح أنه كان عند الخليل يومًا فأقبل سيبويه. فقال الخليل: مرحبًا بزائر لايُمَلّ. وذكر الجاحظ كتاب سيبويه فقال فيه: لم يكتب الناس في النحو كتابًا مثله، وقال ابن سلام: كان سيبويه النحوي غاية في الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام فيه. وكان أبو عثمان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح. جرت بين سيبويه وبعض معاصريه مناظرات، فقد ناظر الأصمعيّ، والكسائي؛ لكن أشهرها تلك التي جرت بينه وبين الكسائي حول مسألة نحوية دقيقة عرفت بالمسألة الزنبورية، )
(4) يراجع كتاب سيبويه « الكتاب» (( باب ما يكون مضمَراً فيه الاسم متحولاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم )) (الكتاب 1/388)
(5) وهذا اختيار ابن مالك رحمه الله
(6) يراجع كتاب « المقتضب » باب الأفعال التي تسمى أفعال المقاربة وهي مختلفة المذاهب والتقدير، مجتمعة في المقاربة
(7) النحو الوافي - عباس حسن(1900-1978م) ج1/242
مسألة عسى المتصلة بضمير
الحقيقة أن: هذا من المواضع المشكلة، لأن حق الضمير المتصل بعسى أن يكون بصيغة المرفوع. وسأكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها .
وبداية أذكر بهذه الحقائق حول ( عسى ) كما جاء في الموضوع اعلاه ليتقرب الى الاذهان ما سيأتي لاحقا:
من المعلوم أن أفعال المقاربة هي: أفعال ناسخة و( عسى ) منها؛ لذلك : فأن حكمها حكم كان , ترفع الاسم وتنصب الخبر , كما قال ابنُ مالك في الخلاصة : ككان كاد وعسى لكن ندر غير مضارع لهذين خبر
ومن اختلافات النحاة في (عسى) هل هي فعل(1) أو حرف(2) ؟ والراجح الأول وهو قول الجمهور
ومن اختلافهم -ايضا-، إذا اتصل بها ضمير نصب : هل تحافظ على الفعلية أم تصير بذلك حرفا
وهذه الاقوال :
أولاً : قول سيبويه(3)، وهو أن عسى: حرف بمنزلة لعل ينصب ما بعدها وهو الاسم، والخبر مرفوع، والكاف اسمها وهي منصوبة، واستدل على النصب في عساك بقول: عساني، والنون والياء فيما آخره الألف لا تكون إلا للنصب.(4)، أي ان (عسى) محمولة على (لعل) لتقاربهما معنى.ثانياً : قول الأخفش: إن الكاف والياء والنون في موضع رفع، وحجته أن لفظ النصب استعير للرفع في هذا الموضع كما استعير له لفظ الجر في لولاي ولولاك.(5) أي: عسى باقية على أصلها، والضمائر المنصوبة بعدها قائمة مقام المرفوعة، اسما لعسى. فاللازم على مذهبه إنما هو التجوز في الضمير بجعل ضمير النصب مكان ضمير الرفعثالثاً : قول المبرد: إن الكاف والياء والنون في عساك وعساني في موضع نصب بعسى، فإن اسمها فيها مرفوع، وجعله كقولهم: عسى الغوير أبؤساً، وحكي انه قدم فيها الخبر لأنها فعل، وحذف الفاعل لعلم المخاطب به فعل صحيح لا يدخله الاختلاف فيه.(6) ووافقه الفارسي في مذهبه هذا. وباختصار فإن الذي كان اسما جعل خبرا، والذي كان خبرا جعل اسما.
إذن: يتضح ان مذهب سيبويه والمبرد والأخفش أبقى (عسى) المتصلة بالضمير على ما هوعليه من عمل؛ أي: اتفقا على أنه في محل نصب وإن افترقا في أن سيبويه يقول: هو اسم والمبرد يقول: هو خبر مقدم. اما الأخفش فقال: أن ضمير النصب ناب عن ضمير الرفع.
وقال صاحب النحو الوافي عباس حسن: فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان؛ وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية(8). وبعدها عن التكلف والتعسف الظاهر، ولأن حجة شيخ النحاة سيبويه حجة معتبرة
فالقياس أن نقول: عساكم طيبين؛ لأن عسى تعمل عمل كان فترفع الاسم وتنصب الخبر، ولكن الأحسن أن نقول: عساكم طيبون
لأن القاعدة: إذا اتصل بـ ( عسى ) ضمير نحو ( عساك، وعساي، وعاساهم ) فإنها تشبه ( لعل ) ولهذا حملت عليها في العمل، فصارت تنصب الاسم وترفع الخبر.
وخلاصة ما سبق أن الصّواب أن يُقال (عساكم طيّبون) والله أعلم .
وعليه قس كل الجمل التى تأتي في سياق عسى المقترنة بضمير متصل.
(1) والدليل على فعليته اتصال ضمائر الرفع البارزة به، نحو: عسيت، وعسيتهم، ولحاق تاء التأنيث له، نحو: عست هند أن تقوم
(2) قاله ابن السراج ( محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي 316هـ) في كتابه: الأصول في النحو.
(3) أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ( سيبويه (148-188هـ، 769 -804م). أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر. رائد النحو العربي وعالم اللغة، وأول مُنظّر في قواعد العربية وإمام هذا المجال وصاحب المؤلف الشهير الكتاب. و¸سيبويه: كلمة فارسية معناها ¸رائحة التفاح، ويقال: إن أمّه كانت تطلق عليه ذلك على سبيل التدليل وهو صغير. وهو فارسي الأصل من مدينة البيضاء، ومنشؤه بالبصرة. مع اختلاف في مولده ووفاته. وكانت ملازمته للخليل أكثر، وأخذ عنه كثيرًا، روى النطاح أنه كان عند الخليل يومًا فأقبل سيبويه. فقال الخليل: مرحبًا بزائر لايُمَلّ. وذكر الجاحظ كتاب سيبويه فقال فيه: لم يكتب الناس في النحو كتابًا مثله، وقال ابن سلام: كان سيبويه النحوي غاية في الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام فيه. وكان أبو عثمان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح. جرت بين سيبويه وبعض معاصريه مناظرات، فقد ناظر الأصمعيّ، والكسائي؛ لكن أشهرها تلك التي جرت بينه وبين الكسائي حول مسألة نحوية دقيقة عرفت بالمسألة الزنبورية، )
(4) يراجع كتاب سيبويه « الكتاب» (( باب ما يكون مضمَراً فيه الاسم متحولاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم )) (الكتاب 1/388)
(5) وهذا اختيار ابن مالك رحمه الله
(6) يراجع كتاب « المقتضب » باب الأفعال التي تسمى أفعال المقاربة وهي مختلفة المذاهب والتقدير، مجتمعة في المقاربة
(7) النحو الوافي - عباس حسن(1900-1978م) ج1/242