بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

اختلاف المعنى للفعل في دلالة السياق

زياد أبو رجائي
إذا كان اختلاف الحركات يفرض اختلاف المعاني فاختلاف الألفاظ أنفسها أولى بالإقرار لها ان تعطي مدلولاً يختلف باختلاف جهة الإتصال موضعاَ وموقعاً في الجملة أن يكون كذلك، ولهذا المعنى كان مذهب اكثر المحققين من أهل العربية(1): فلا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين حتى تضاف علامة لكل واحد منهما أو قرينة من دلالة السياق تصرفه إلى معنى جلي وواضح أو من خلال ما تناقله العرب في استعمال لفظة دون غيرها باكثر من معنى ، فكل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر
وحديثنا في هذا البحث يدور حول الفعل « يقدر » نموذجاُ عن هذه الحالة غير العبثية التي يوردها التنزيل العزيز، وتحمل مقاصد شتى تفهم من خلال دلالة السياق للآية أو تسلسل الحوارية في نص القصص القرآني ، ومن هذه النصوص الكريمة ما ورد على لسان يونس في سورة الأنبياء : ليبرز التساؤل الكبير الذي يثير شكوكاُ ينفثها الشيطان ويلقيها في ضعاف النفوس ، فيقولون : إن يونس َظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، كيف يكون نبيا ثم يظن بالله عدم القدرة !
في الآية : ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) {الأنبياء:87}
الفعل نقدر ورد في القران على أكثر من معنى ، وعلى هذا يجب أن يفهم ضمن سياقه في نفس الاية ونفس جو الفكرة التي تدار في النص
إن معنى نقدر هنا ليس بمعنى الاستطاعة ، ومعناها التضييق ودليلنا : قوله تعالى: { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } [ الطلاق:7] .
ومنه قوله تعالى: { فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 12]، أي: قدر.
اذن السياق يحكي قصة النبي يونس ، ومن حسن الظن بالأنبياء ان يكون التفكير بهم ظنا حسنا ولا يكون ظن سوء : لما صار يونس في بطن الحوت، ظن أنه قد مات
أو ظن ان الله لن يضيق عليه في بطن الحوت ، وقيل نقدر مضارع قَدَر عليه أمراً بمعنى ضيّق كقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ الرعد : 26 ] وقوله تعالى : { ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } [ الطلاق : 7 ] ، أي ظن أن لن نضيّق عليه تَحْتيم الإقامة مع القوم الذين أرسل إليهم أو تحتيم قيامه بتبليغ الرسالة أو انه ظن أن التكليف قد سقط عنه في تبيلغ الرسالة بعد ان يأس من قومه في الايمان . ويحمل على : أنه ظن وهو في جوف الحوت أن الله غير مخلصه في بطن الحوت لأنه رأى ذلك مستحيلاً عادة ، فأراه الله قدرته وأنه يغير ما اصطلح عليه بالفهم الانساني انه مستحيل او غير ممكن !
وتحمل على معنى ان: يونس عليه السلام ظن ان الله لن يقدّر عليه العذاب او الموت بل على العكس مما فهمت انت ، نخن نقول ان النبي يونس قد ظن بالله حسن الظن فالصورة معكوسة هنا... ستقول كيف ؟
ويحمل على : أنه ظن بحسب الأسباب المعتادة أنه يهاجر من دار قومه ، ولم يظن أن الله يعوقه عن ذلك إذ لم يسبق إليه وحي من الله
ويحمل أيضا على معنى :ظن أن لن نؤاخذه بخروجه من بين قومه دون إذن
نقول : ظنه بالله انه لن يقدر عليه - مجرى القضاء والقدر – الضيق والعذاب لأنه نبي اولا وثانيا انه هو المؤمن بالله الوحيد في هذه القرية التي كفرت بالله عن بكرة أبيها كما أخبرنا القران ، لذلك ظن ان الله لن يخذله وهذا المعنى يستقيم.
وقوله: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } أي: أخرجناه من بطن الحوت، وتلك الظلمات، { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } أي: إذا كانوا في الشدائد ودَعَونا منيبين إلينا، ولا سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلاء، فقد جاء الترغيب في الدعاء بها عن سيد الأنبياء.
وأما نداؤه ربه فذلك توبة صدرت منه عن تقصيره أو عجلته أو خطأ اجتهاده ، ولذلك قال : { إني كنت من الظالمين } مبالغة في اعترافه بظلم نفسه ، فأسند إليه فعل الكون ( كنت ) الدال على رسوخ الوصف ، وجعل الخبر أنه واحد من فريق الظالمين وهو أدل على أرسخية الوصف
والدروس المستفادة في هذه القصة :
1- يونس اجتهد وأخطأ .
2- خُطور هذا الظن في نفسه بعد أن كان الخروج منه بادرةً بدافع الغضب عن غير تأمل في لوازمه وعواقبه
3- الدعاء في أحلك وأضيق الأوقات منجي
4- استجابة الدعاء من الله للانسان المكروب
5- التوبة والاعتراف بالذنب أنه ظلم للنفس
6- تقديمه الاعتراف بالتوحيد مع التسبيح كنّى به عن انفراد الله تعالى بالتدبير وقدرته على كل شيء
---------------
1- الفروق اللغوية / أبو هلال العسكري / ص12 ، 13