لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ
كان الكفار من الفريقين ( أهل الكتاب وعبدة الأصنام ) يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم: لا نترك ديننا حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل.وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبى المبعوث فى آخر الزمان ويقولون لاعدآئهم من المشركين قد اظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلان فنتقلكم معه قتل عاد وارم( 1 ) . فذكر الله تعالى ما كانوا يقولونه.
عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا :إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى وهداه لنا - لما كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم .
فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية : ؟ ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ؟ البقرة : 89
فأخبر الله حقيقة مهمة وهي أن : أهل الكتاب والمشركين قد انفكوا من : كفرهم وشركهم ؛ الذين كانا فيه بعد أن جاءهم رسول الله بالبينة ؛ وهي القرآن الذي فيه أحكام و أوامر وهذا القرآن مطهر من الكفروالشرك ، وتضمن كتاباتها قيمة ذات نفع دنيوي فضلا عن نجاة من عذاب النار يوم القيامة .
اختلف العلماء في الكفر والشرك
أ- الطائفة الأولى ( وهو قول أبي حنيفة ) : هي اسمان واقعان على معنيين
وإن كل شرك كفر وليس كل كفر شركا ، وقال هؤلاء لا شرك إلا قول من جعل لله شريكا قال هؤلاء اليهود والنصارى كفارا لا مشركون وسائر الملل كفار مشركون ودليلهم : قالوا فرّق الله تعالى بين الكفار والمشركين في سورة البينة
ب- الطائفة الثانية ( وهو قول الشافعي ): الكفر والشرك سواء أي معنى واحد ؛ وكل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر.
ودليلهم : قال تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {التوبة:31}
وقال تعالى وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ {المائدة:116}
وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) {المائدة:73}
وهذا كله تشريك ظاهر لاخفائه فإذ قد صح الشرك والتشريك في القرآن من اليهود والنصارى فقد صح أنهم مشركون وأن الشرك والكفر إسمان لمعنى واحد.
وجاء عن عبد الله بن عمر منع نكاح الكتابية وقال : « وهل كبر إشراكاً من قولها : { اتخذ الله وَلَداً } البقرة : 116 ، فاعتبرهن مشركات .والكفر بجميع القسمين ، وقد دفع الشيخ الشنقيطي إيهام الاضطراب عند قوله تعالى : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله } التوبة : 30 ،مفاده أن الشرك الأكبر المخرج من الملة أنواع ، وأهل الكتاب متصفون ببعض دون بعض .وقال عند قوله تعالى : { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الذين كَفَرُواْ } التوبة : 30 ، أي يشابهونهم في مقالتهم ، وهذا القدر اتصف به المشركون من انواع الشرك .
وقال شيخنا الألباني في -إرواء الغليل- : إن لفظ - المشركين - يعم الكفار جميعا سواء كان لهم شبهة كتاب كالمجوس أو ليس لهم الشبهة كعباد الأوثان فتأمل.وحديث :- سنوا بهم سنة أهل الكتاب- ضعيف ولا يصح ، إلا أنه قال بأن معاملتهم : كأهل الكتاب ، حيث ورد حديث ( ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ). رواه البخاري
ولدفع الاضطراب عن هذه المسألة نقول :إن بينهما مغايرة في الحكم ؛ فهناك فرق في الشريعة في معاملة أهل الكتاب ومعاملة المشركين ، فأحل ذبائح أهل الكتاب ولم يحلها من المشركين ، وأحل نكاح الكتابيات ولم يحله من المشركات ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ } البقرة : 221 ، بينما في حق الكتابيات قال : { والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } المائدة : 5 ، وهو قول الجمهور . والله اعلم