الطلاق ..ما قبل الطلقة الثالث
الحرص على الاسرة د.زياد حبوب أبو رجائي
تكررت محاولات الإسلام في رأب الصدع بين الزوجين وإنقاذ كيان الأسرة من التصدع للتخفيف من حالات الانفصال أثناء كافة مراحل الاختلافات في محاولة إعادة الألفة والصفاء إلى قلبي الزوجين؛ لتبقي على كيان الأسرة بل فتح باب تيسير على بيوت المسلمين، كي لا يغويهم الشيطان فيهدموا أسرهم بكلمة.
وقد حرص الإسلام على رباط الأسرة المقدس، ووقايته من الشقاق وأكثر من العوائق والقيود التي وضعها في طريق الطلاق الثالث:
- اوصى بحسن المعاملة للزوجة واكرام عشرتها {وعاشروهن بالمعروف} وقال النبي:أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم
- اوضح طبيعة المرأة الرقيقة استوصوا بالنساء خير فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج ... ورفقا بالقوارير
- تحويل البغض الى محبة بقوله:{فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} وقال النبي:قال: "لا يفرك- أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر".
- الموعظة {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ...}
- الهجران {واللاتي تخافون نشوزهن ...واهجروهن في المضاجع}
- الاصلاح بالحكماء من الاهل {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها}
- ذهب بعض الفقهاء ان الأصل في الطلاق الحظر، وهو الراجح، قال السرخسي: [إيقاع الطلاق مباحٌ وإنْ كان مبغضاً في الأصل عند عامَّة العلماء،] المبسوط6/2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إنَّ الأصل في الطَّلاق الحظر، وإنما أُبيحَ منه قدر الحاجة] مجموع الفتاوى32/293. وقال أيضاً: [ولولا أنَّ الحاجة داعيةٌ إلى الطلاق لكان الدليلُ يقتَضِي تحريمه كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكنَّ الله تعالى أباحَه رحمةً منه بعِباده لحاجتهم إليه أحياناً] مجموع الفتاوى3/74.
- اعتبار الطلاق بغيضا قبيحا «أبغض الحلال عند الله الطلاق» (رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي) لتنفير الازواج من ايقاعه وتفاديه!!
- بعض الفقهاء اعتبر أن كلَّ طلاقِ يقع قبل الدخول يكون بائناً، ويلزم عقدٌ جديدٌ بمهرٍ جديدٍ وولي وشاهدين لحكمة تصعيب الامر على الخاطبين والمالكين قبل الدخول..
- ايقاع الطلاق ثلاث مرات أي على مراحل وحكمته اعطاء الفرصة لاعادة بناء الثقة بين الزوجين خلال فترة الطلاق الاول والثاني
- شرع العدة وهي ثلاث قروء(طهر او حيض) لافساح المجال بتهدئة النفوس وذهاب فورة الغضب اثناء الشقاق فتكون طول المدة فيشعر الزوج بالندم على تطليق زوجته فيراجعها او تكون فرصة للزوجة في العودة عن خطأ قد ازعج الزوج والدخول فيما اراد واحب ...الخ
- إذا طلق زوجته تبقى في بيته مدة العدة لافساح المجال لعودة المياه الى مجاريها والحكمة انه ربما في انتشار الخلاف والطلاق يزيد من تأجيجه بعض الاقارب فيكبر الخلاف بينما وجودها في البيت قد يطوي ويحصر الخبر بين الزوجين لتفويت الفرصة في اشعال الخلاف من ضعاف النفوس والجهلاء والغرور بدعوة ان كرامتها لا تسمح لها في ذلك ...الخ الخ
- اتخاذ موقفاً متشدداً من إيقاع الطلاق ثلاث مرات جملة واحدة اي الطلاق المكرر في مجلس واحد، لا يقع به إلا طلقة واحدة كقوله (طالق بالثلاث) بل اعتبرها مرة واحدة أو طلقات متفرقة بنفس المجلس..روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل طلاق امرأته ثلاث تطليقات في وقت واحد، فقام غضبان وقال: أيلعب في كتاب الله، وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال: "يا رسول الله ألا أقتله؟".
- حرم إيقاعه وقت العادة الشهرية وهي حائض روى مسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها أي يرجعها إلى بيته ، ولا يلزم من ذلك أن يكون طلاقه قد حسب عليه….والمراجعة مفاعلة من الجانبين.. وقال: فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس (يضاجعها)
- بعض الفقهاء يوقعونه زيادة في التغليظ من اجتناب وتفادي هذا الفعل وفصلوا فيه اذا كان اثناء العدة لم يعتبروه طلاقا سنيا واذا خرجت من العدة اعتبره طلاقا سنيا
- واذا كانت غير حائض وقت الطهر شرع أن لا يكون قد جامعها بهذا الطهر
- حرم ايقاعه في فترة النفاس بعد الولادة
- شرع الله تعالى الرجعة مادامت الزوجة في عدة الطلاق، من غير احتياج لعقد ولا مهر ولا استئذان
- اعتبر مجرد الكلام او الابتسام او القيام بخدمة الزوج او اي اشارة يفهم منها الصفو والرضى...الخ بعد الطلاق الاول والثاني بمثابة رجوع للزواج والاسرة فتح طريق جديد أمام الأسرة لمعاودة الحياة الزوجية
- بعض الفقهاء لا يجيز الطلاق الا بشهود كما كان عقد الزواج بشهود!! بدليل قول الله تعالى (واشهدوا ذوي عدل منكم)} ولحديث عمران بن حصين في سنن أبي داود أن السُّنّـة في الطلاق الإشهاد،(ومنهم الشيخ احمد شاكر ) ونقل وجوب الإشهاد عن:ابن عباس رضي الله عنهما نقلا عن الطبري وابن عطاء والسدي وظاهر قول ابن حزم. وقال اذا كان الزواج لا يتم ( لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ عدل ) وهو بناء فمن باب اولى ان لا يتم الطلاق الا بشهود لانه اخطر فهو هدم على المجتمع والاسرة الاسلامية.. فكأن لسان حال الشرع :لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأتي بشاهدين.. وممن ذهب إلى وجوب الاشهاد واشتراطه لصحته من الصحابة: أمير لمؤمنين علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين، رضي الله عنهما، والامام جعفر الصادق، وعطاء، وابن جريج، وابن سيرين وفتوى من الازهر الشريف وهي معمول بها في مذهب الزيدية والامامية " والحكمة اطالة المدة واعمال الافتراق بين الزوجين وقت الخلاف والشقاق فتهدأ النفوس وربما يتراجعا بفعل العشرة ووجود الاولاد. للتقليل من انتشار ظاهرة الطلاق بصورة غير عادية واصبحت تهدد كيان الاسرة المسلمة.
- بعض المحاكم لا يقبل الطلاق الا اذا طلق داخل المحكمة اما القاضي والشهود ولا يعتبر الطلاق واقعا خارج المحكمة..
- بعض الفقهاء اعتبر حالات كثيرة انها من باب اليمين والقسم وحملوها على اذا كان يُقصد به الحملُ على فعل شيءٍ أو تركه كتهديد وما شابه ذلك.. واحلها بدفع الكفارة عن حنث اليمين...وكفارتها: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام
- التغليظ في عدم المزاح في الطلاق باعتبار انها هزلهم جد كما هو جدهن جد قال رسول الله «ثلاثٌ جِدُهنَّ جِدٌ وهزلهُنَّ جِد،النكاحُ والطلاقُ والرجعةُ».. والحكمة الا يتعود الانسان على قول طالق حتى مزاحا ! باعتبار الطلاق يقع في حال الجد والهزل !!
- التغليظ باعتبار كنايات الطلاق بمثابة طلاق ليبتعد الزوج عن الطلاق كالقول: (غطي وجهك عني!) و(سارسل لك ورقة الطلاق!) و ( اتصلي باهلك يأخذوا عفشك!) (انت لست بذمتي!) ...الخ الخ
- حديث لا طلاق ولا عتاق في إغلاق :بعض الفقهاء (ورجح ابن تيمية وابن قيم الجوزية من الحنابلة، وابن عابدين من الحنفية) شدد من اعتبار الا يكون حامل الزوج على الطلاق فورة الغضب ويجب ان يكون في ظروف استقرار نفسي للزوج والا يكون ردات فعل نفسية على خطأ ربما يكون لا يستدعي الطلاق!! وقالوا : الغضب الشديد المطبق الذي ينغلق معه باب العلم والإرادة، ويزول معه العقل، فلا يعلم ما يقول ولا ما يريد، ففي مثل هذه الحالة أجمع الفقهاء على عدم وقوع طلاقه وأنه في دائرة العفو واللغو..
- شرع للزوج والزوجة أنه إذا انتهت العدة من الطلقة الأولى أو الثانية فيمكنهما استئناف الحياة الزوجية إذا رأيا ذلك ولكن بعقد جديد ومهر جديد واستئذان واتفاق، على أمل ترميم ما انهدم وإنقاذ ما بقي.
- اعتبر بعض الفقهاء(الشيخ ابن تيمية) طلاق المعتدة لا يقع أصلا
- واذا استحكم الخلاف والشقاق وكان لا بد من الانفصال فان الله امر الرجال ان يسرحوهن باحسان بدون اساءة او اهانة .... فقال {وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته}
- جمهور الفقهاء ان الطلاق النفسي اي من يطلق زوجته في حديث لنفسه دون ان ينطق به!! لا يقع (بخلاف الزهري ومالك أنه يقع بالعزم ) فإذا نوى التّلفّظ بالطّلاق ثمّ لم يتلفّظ به : لم يقع بالاتّفاق ؛ لانعدام اللّفظ أصلاً .. لان حديث النفس ليس بمعنى الكلام الصريح قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح الروض: (وكذا سبق اللسان) إلى لفظ الطلاق لغو لأنه لم يقصد اللفظ (لكن يؤاخذ به ولا يصدق) ..
والحكمة لتفادي الاتيان بالطلاق والتخفيف من حصوله وزيادة الفرص من اجل رأب الصدع واعادة المياه لمجاريها