بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

المسألة التونسية.. . نظام الميراث والمساواة


د. زياد حبوب أبو رجائي
(1) طلب مني بعض الاصدقاء التريّث في ذلك لاحتمال تراجع الساسة في تونس على تنفيذ الحكم وربما يكون بالون اختبار للرأي العام العربي عامة والتونسي خاصة ..فالاصداء المعترضة اكبر مما توقعوا بحمد لله وفضله..
(2) ساناقش المسألة من حيث الفقه المحض بعيدا عن التكفير للمعين او اطلاق الكفر على ما يحصل سواء على القائل بها او القول ذاته كون المسألة تحتمل التأويل...
(3) لكن مع دخول دار الافتاء التونسية على خط المساجلة الفكرية بتأييدهم ذلك فاصبح على مايبدو الاستمرار في التنفيذ على قدم وساق... وكون دائرة الافتاء من طلبة العلم.. ولا أظن بهم الا خيرا فلا بد انهم استندوا على دليل او ادلة تنشلهم من مستنقع الاعتراض او الانكار ما عرف بالدين بالضرورة .. وحاولت تقليب المسألة من اكثر من وجه لعلني اجد مسوغاً لهم باي وجه محتمل من استنباط النصوص.. والحقيقة انني لم اجد الا صورة واحدة ولا تنفع عند جماهير اهل العلم فتندرج بتتبع الرخص وهو منهي عنه حيث يكون الحكم تلفيقا بين مذهبين .. واذا تبناها فعلا اهل العلم في دائرة الافتاء ستكون سابقة وخلاف الاجماع ليس للمذاهب الاربعة بل للثمانية المعتبرين (المالكية والاحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والاباضية والامامية) ولا مذهب يقبل بالصورة الناتجة عن ذلك كما سابين لاحقا..
(4) ولاقتناعي التام ان المسألة لن تقف عند حدود المساواة بين الذكر والانثى بل يتعداه الى نظام الارث كاملا لأهل السنة وبأحكام المذاهب الاربعة ... وبالتالي سينسحب على مبدأ التعصيب وسيناله تغييرا شاملا بناء على المطالبة بالمساواة هذه كما سأبين لاحقا في منشور مستقل ... الذي ينقسم فيه المسلمون الى فسطاطين فأهل السنة مع الاباضية من طرف والشيعة الامامية من طرف آخر...
(5) وللعلم ان هذه من مخلفات اتفاقية سيداو الخاصة بالمرأة وتم الضغط على جميع الدول المنضوية تحت هيئة الامم المتحدة بالتوقيع عليها (ليس الدول الاسلامية فحسب) فالاستحقاقات الدولية تفرضها ... وعلى الغرب ان ينتبه ان للدول الاسلامية خصوصية نابعة من الشرع الاسلامي ولا يمكن تجاوزه ابدا تحت طائل الخروج والردة ...كما هي الحال عند الامم الاخرى مثلا الامة الصينية تحدد الانجاب بطفل وهذا مخالف لابسط معايير الانسانية لانه حد من الحرية الشخصية ولكن نجد المجتمع الدولي غض الطرف ولاذ بالصمت مقدما درء المفسدة على جلب المصلحة ... فلماذا لا يكون هذا للامة الاسلامية وتركها لخصوصية الشرع وقبول الاغلبية الساحقة لاحكامه ...
فلا تلزمونا باقلية من هذا الحزب او ذاك والا ستكون العواقب وخيمة ويزيد في التطرف عند الاغلبية لانه مساس بالشعور الديني الذي تلقاه الجيل عبر الجيل لاكثر من 1400 عام مضى!! وستكون تشجيعا للاراب بل ان محاضنه ستزيد بانضمام المعتدلين الى التطرف عند انعدام الشعور بالحرية..
(6) ستكون لغة المنشورات مبسطة -كالعادة- حتى تفهم من العامي قبل طلبة العلم
(7) قسمت المسألة على عدة محاور
1. نظام الارث - التعصيب عند اهل السنة
2. المساواة بين الذكر والانثى واية للذكر مثل حظ الانثيين
3. الوصية الواجبة
4. الهبة ومسألة تفضيل الابناء
5. قاعدة اصولية : الحاكم يرفع الخلاف (الحاكم هنا دائرة الافتاء ولا نقصد به اي حزب سياسي ) ومبدأ طاعة ولي الامر

(نظام الميراث - العصبة ) ..[2]
سنبدأ بمسألة مما سيؤول لها موضوع مساواة الذكر للانثى وهي (التعصيب) وهو باختصار الوراثة بلا تقدير وتوزيع الباقي من الاسهم على المستحقين ...
والتعصيب في علم الفرائض (الوراثة) الذي بني على الذكورية لحديث ابن عباس وهو في البخاري... وبه أخذ فقه المذاهب الاربعة ... مع انضمام فقه الاباضية الذي ينسجم بمجمله مع ما ذهب اليه اهل السنة كما سأبين لاحقا ....
(1) والخلاف مبني على ادلة لدى الفريقين فاهل السنة والاباضية استدلوا بحديث ابن عباس (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري
والفقه الجعفري (فقه أهل البيت) : للأقرب رحماً بغض النظر عن كونه ذكراً أو أنثى, ولا يعطى البعيد وإن كان ذكراً واستدلوا بالاية :{لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} ولقوله تعالى {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وعليه يكون التعصيب فيجب أن لا نحرم أنثى من الميراث بحجة أن الذكر أولى منها وهما في درجة واحدة من القرابة
(2) وعلى الرغم من ذلك فان اهل السنة اختلفوا في اولوية التعصيب في كثير من الحالات ؛ والاختلاف الفقهي يُردّ لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم فقد روى عن ابن مسعود إنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض .. وحصل خلاف ابن عباس للصحابة في خمس مسائل .... مثال:
أ) مسألة بين الجد والاخوة فالجمهور ( المالكية والشافعية والحنابلة ) ان الجد يقاسم الإخوة ولا يحجبهم وانفرد الاحناف بالقول ان الجد يحجب الاخوة
ب) مسالة الأخوات من البنات عصبة ام لا ؟ فاذا هلك رجل عن بنت وابنة ابن وأخت لاب وام فقال ابن عباس : للابنة النصف وللأخت النصف... وقال ابن مسعود للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت وهو مذهب الحنابلة
والخلاف هذا من فهم كل صحابي للاية {...فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} فابن عباس ارجع (نساء) الى معنى البنت ثم عصب الاخت وحجب ابنة الابن لان اباها متوفي.... اما ابن مسعود نظر الى الحالة بها ثلاثة نساء فللبنت نصف كما نصت الاية والتعصيب يذهب تكملة نصيب من هم في كم ثلاثة نساء لهم الثلثان = 4/6 والنصف = 3/6 فبقي لبنت الابن المتوفي 1/6
ج) مسألة يرث من الجدات أم أمه وأم أبيه وأم جده ... (قول أبو حنيفة والشافعي) : يرث الجدات وإن كثرن (وقول مالك وداود) : لا يرث إلا جدتان أم أمه وأم أبيه وأمهاتهما وإن علون ... والمسألة عند البخاري..
د) واختلفوا في بنات الميت واخواته ( اي عمات البنت)... فالجمهور على ان ترث الاخوات (العمات) تعصيبا.... روي ذلك عن عمر وعليّ وزيد وابن مسعود ومعاذ وعائشة .... وخالف ابن عباس وروي عنه أنه كان لا يجعل الأخوات مع البنات عصبةً
(3) ثمرة الخلاف الفقهي بين اهل السنة والاباضية والفقه الجعفري والزيدي يتضح في هذا المثال كما يلي:
أ) ابن العم لا تجب عليه نفقة ابنة عمه (عند المالكية والشافعية كما شرحتها سابقا) ومع ذلك يحصل على الارث في حال هلك رجل على 10 بنات واخ فالقسمة تكون للاخ 12/2 = 1/6 ... بينما لو هلك على 10 بنات وابن عم ...فللبنات العشر الثلثان.. والثلث لابن العم... بمعنى حصول ابن العم اكثر من الاخ !!
اما في الفقه الجعفري فان ابن العم لا يرث لان البنات ياخذن كامل المال بالارث وبالتعصيب لانهم اقرب الارحام للميت ...
ب) هلك رجل عن اب وبنت (اي البنت وجدها) فللبنت النصف و1/6 للجد ثم ياخذ الجد الباقي تعصيبا عند اهل السنة بينما عند الجعفري الباقي للبنت لانها اقرب رحما
شرح الالة للتوضيح : البنت 1/2 لانها لوحدها بنص الاية.. = 3/6
الجد له 1/6 بنص الاية
المجموع 4/6 ... فاين توزع الباقي ... 2/6 ...
-- عند السنة للجد فيصبح نصيبه مناصفة مع الابنة !!
-- عند الجعفري للابنة لانها اقرب للميت فتأخذ الباقي 2/6 + 3/6 من استحقاقها = 5/6
فالسدس للجد وخمسة اسداس للبنت...
وعليه ؛
(4) كما ترى ان الحالات هذه تنفي موضوع حكمة النفقة التي استنبطها الفقهاء وحولوا الحكم من غير معقول المعنى الى معقول المعنى وفتحوا الباب امام الطعن بهذا الحد حيث ظهر تهافت هذه الحكمة من تطبيق بعض الحالات ... وبرأيي يفترض ان تبقى غير معقولة المعنى واننا نتعبد الله بها دون الالتجاء لمعرفة لماذا قسم الله ذلك للذكر ضعف الانثى وعلينا التوقف عندها ديانة... وساتكلم عنها في الجزء الثالث
(5) اما بخصوص حديث ابن عباس فقد خالفه الجمهور في مسألة :
لو ترك الميت بنتًا وأختًا (من اب وام) وأخًا (من اب) فمذهب الجمهور كما حكاه النووي عنهم أن للبنت النصف والباقي للأخت. ولا شيء للأخ. بينما على منهج ابن عباس : للبنت النصف والباقي للأخ ولا شيء للأخت ...
ولحساسية الموضوع !!
(6) الفقه الجعفري وان تبناه الشيعة الامامية الا ان الامام جعفر بن محمد الصادق موثق عن اهل السنة كذلك فقد روى له البخاري في الادب ومسلم في صحيحه وباقي السنن ... قال ابن معين : ثقة ، و قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه وقال الذهبي في السير: من أجل علماء المدينة ؛ كَانَ يَقُوْلُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مَرَّتَيْنِ.....وَكَانَ يَغضَبُ مِنَ الرَّافِضَّةِ، وَيَمقُتُهُم إِذَا عَلِمَ أَنَّهُم يَتَعَرَّضُوْنَ لِجَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ ظَاهِراً وَبَاطِناً، هَذَا لاَ رَيْبَ فِيْهِ، وَلَكِنَّ الرَّافِضَّةَ قَوْمٌ جَهَلَةٌ، قَدْ هَوَى بِهِمُ الهَوَى فِي الهَاوِيَةِ
وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ، أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، وَسَهْلَ بنَ سَعْدٍ
وقد رد الذبي على ييى ابن قطان عندما قال عن الامام جعفر : وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ مُجَالِدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. ...قُالُْ: هَذِهِ مِنْ زَلقَاتِ يَحْيَى القَطَّانِ، بَلْ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ عَلَى أَنَّ جَعْفَراً أَوْثَقُ مِنْ مُجَالِدٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ يَحْيَى...وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ حَكِيْمٍ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ: جَعْفَرٌ مَا كَانَ كَذُوباً. وسئل الشافعي عنه قال ثقة ...
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَسُئِلَ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيْهِ، وَالعَلاَءِ عَنْ أَبِيْهِ: أَيُّهَا أَصَحُّ؟
قَالَ: لاَ يُقْرَنُ جَعْفَرٌ إِلَى هَؤُلاَءِ. وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ: جَعْفَرٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِه
(7) الفقه الجعفري استند على الاية كونها قطعية الدلالة ولا يقبلوا برواية خبر الاحاد لنسخ او تخصيص اية متواترة
(8) السؤال هنا لطلبة العلم:
مع اجتهادات الصحابة في الاية الكريمة كما ذكرنا آنفا ومع وجود قول اخر من احد الفقهيات الاسلامية - الفقه الجعفري ...
هل يمكن قبول تعديل نظام التعصيب من الذكورية الى الاقرب رحما سواء انثى او ذكر... ونقترب من دعوى المساواة بين الذكر والانثى في اغلب المسائل
فلا يمكن اعتبار ذلك مخالفا للاسلام باي حال من الاحوال ...
اترك الاجابة لطلبة العلم ...
ملاحظة مهمة : {{الردود كلها من قبل اهل السنة على الشيعة معلومة وقوية لا نشك بها احاطة بكل الاحاديث والاثار الخاصة في باب المسألة وقول المذاهب الاربعة اتفاقا ... سؤالي الموجه في المنشور هل نعتبر الخلاف الفقهي مستستاغا ونسمح للساسة بالاخذ به ؟ وان اخذوا به هل نقول انهم خالفوا الشرع وبالتالي كفروا كما جرت الان في مواقع التواصل... خلينا بالنقطة هذه}}
.
.
يتبع المنشور الثالث مناقشة الاية { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهل يوجد لها مخارج يمكن الاخذ بها دون الاعتراض على حد من حدود الله بينه صريحا في القران الكريم....
.

لمتابعة النقاشات يرجى الاطلاع على صفحتي كما في الروابط التالية