عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه }
رواه البخاري ومسلم
وفي زيادة عند لأبي عوانة و النسائي و أحمد في رواية لهم و إسنادها صحيح .
{لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( من الخير )}
وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعا بلفظ :
{ للمسلم على المسلم ست .... و يحب له ما يحب لنفسه ، و ينصح له بالغيب}
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه ( صحيح )
{لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه}
والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا ، قال النووي : (المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، وقد تكون بحواسه كحسن الصورة ، أو بفعله إما لذاته كالفضل والكمال ، وإما لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر ) .
قال الحافظ ابن حجر: ( والمراد هنا بالميل الاختياري دون الطبيعي والقسري ، والمراد أيضا أن يحب أن يحصل لأخيه نظير ما يحصل له ، لا عينه ، سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية ، وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له لا مع سلبه عنه ولا مع بقائه بعينه له ، إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال . وقال أبو الزناد بن سراج : ظاهر هذا الحديث طلب المساواة ، وحقيقته تستلزم التفضيل ؛ لأن كل أحد يحب أن يكون أفضل من غيره ، فإذا أحب لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين . قلت : أقر القاضي عياض هذا ، وفيه نظر . إذ المراد الزجر عن هذه الإرادة ؛ لأن المقصود الحث على التواضع . فلا يحب أن يكون أفضل من غيره ، فهو مستلزم للمساواة . ويستفاد ذلك من قوله تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) ، ولا يتم ذلك إلا بترك الحسد والغل والحقد والغش ، وكلها خصال مذمومة.
واعلم أن هذه الزيادة ( من الخير) زيادة هامة تحدد المعنى المراد من الحديث بدقة ، إذ أن كلمة ( الخير ) كلمة جامعة تعم الطاعات و المباحات الدنيوية و الأخروية و تخرج المنهيات ، لأن اسم الخير لا يتناولها ، كما هو واضح . فمن كمال خلق المسلم أن يحب لأخيه المسلم من الخير مثلما يحب لنفسه . و كذلك أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ، و هذا و إن لم يذكره في الحديث ، فهو من مضمونه ، لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه ، فترك التنصيص عليه اكتفاء كما قال الكرماني و نقله الحافظ في ( فتح الباري ) ( 1 / 54 ) و أقره .
وقوله ( لا يؤمن ):
قال النووي-رحمه الله- في شرحه على صحيح الامام مسلم:( و الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه : لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان ، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ، و المراد نفي كماله ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، و لا مال إلا ما نيل ، و لا عيش إلا عيش الآخرة )