قد اضطربت آراء العلماء فيه، فبعضهم قال بكراهته، وبعضهم قال بحرمته، وبعضهم بإباحته، أفردوه بالتأليف
والحلال والحرام فإنهما حكمان شرعيان لا بد لهما من دليل ولا دليل على ذلك، فإنه لم يثبت إسكاره ولا تفتيره ولا إضراره، فهو داخل تحت قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة،
وأن فرض إضراره للبعض لا يلزم منه تحريمه على كل أحد، فإن العسل يضر بمريض السكري، مع أنه شفاء بالنص القطعي،
وليس الاحتياط في الافتراء على الله تعالى بإثبا ت الحرمة أو الكراهة اللذين لا بد لهما من دليل، بل في القول بالإباحة التي هي الأصل.
لكن مما يلفت النظر ان اثنان من العلماء يدعونا للتوقف في الاباحة وهما عالمان جليلان برتبة اجتهادية عند اهل السنة لا يمكن تجاوزها ويجب التوقف طويلا عند النظر باي نازلة لاننا لا نعتقد ان يتوصلا الى حكم التحريم بهذه السهولة ولو انهم ما رؤوا فيه ما يحرم لما تجرؤا على ذلك الحكم وهما الامام ابن حجر الهيتمي ضابط ومحرر ومحقق المذهب الشافعي في زمنه وهو ما يكون عليه الفتوى من بعده والامام اللقاني المالكي فهو أصولي معروف لاهل السنة
ومع هذا ...
نجد كثير من العلماء امن المذاهب الاربعة تصدروا الفتوى في مذاهبهم في زمنهم يفتون بالاباحة وهو حقيقة الحكم الذي يجب ان يكون عليه شرب الدخان اذا ان الضرر لا يمكن ان يكون ضابطا فيه لان ضرره على التراخي اي في سنوات طويلة ولا يمكن اعتبار هذا ضابط منضبط اصالة فان التفاوت في الضرر بين الاشخاص مشاهد ومعتبر ولا يمكن ان نقول ان ضرره مطابق على الجميع فيأخذ نفس الحكم
وعليه ارى ان اقصى ما يمكن ادراج حكمه فيه هو الكراهة لاسباب خارجة عنه للرائحة الكريهة والاسراف في غير فائدة فان المبذرين اخوان الشياطين وان مآله وعاقيبته الضرر فلا ترموا بايديكم الى التهلكة ... من هذا الادلة العامة
والله اعلم
واليكم اقوال العلماء في المذاهب الاربعة
الاحناف
في شرح الوهبانية للشرنبلالي: ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر وفي شرح العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي والد سيدنا عبد الغني على شرح الدرر بعد نقله أن للزوج منع الزوجة من أكل الثوم والبصل وكل ما ينتن الفم.
قال: ومقتضاه المنع من شربها التتن لأنه ينتن الفم خصوصا إذا كان الزوج لا يشربه (قرة عين الاخيار 15/7)
مخطوط في إباحة الدخان "لعبد الغني النابلسي
وأقام الطامة الكبرى على القائل بالحرمة أو بالكراهة،
قال الطحطحاوي بما يفيد المكروه: تعاطي الشبهات ومنه عند شرب الدخان (حاشية الطحطحاوي ص6)
الشافعية
قال الشرواني في حاشيته على المحتاج لابن حجر الهيتمي : لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وليس بعاص..اي مباح (69/3)
وقال الجمل في حاشيته على شرح المنهج
شيخنا البابلي شربه حلال وحرمته لا لذاته بل لأمر طارئ، وقال شيخنا سلطان المزاحي ليس بحرام ولا مكروه وأقره شيخنا الشبراملسي
وقال البيجرمي في حاشيته على الخطيب مباح
وقال البيحوري في شرح الجوهرة مباح (17/2)
قوله: (وهو حرام) مخالف لما نقل عن الشافعية، فإنهم أوجبوا على الزوج كفايتها منه اهـ.
أبو السعود.
فذكروا أن ما ذهب إليه ابن حجر ضعيف، والمذهب كراهة التنزيه إلا لعارض.
وذكروا أنه إنما يجب للزوجة على الزوج إذا كان لها اعتياد، ولا يضرها تركه فيكون من قبيل التفكه، أما إذا كانت تتضرر بتركه فيكون من قبيل التداوي وهو لا يلزمه
المالكية :
مكروه على الأظهر في المذهب (اسهل المدارك 10/1)
وقال اللقاني حرام
وقد أفتى بحليته محمَّد بن يعقوب الأيسي المراكشي المولود عام 966 هـ/ 1558 م (الإعلام للمراكشي ج 4 ص 364)
"غاية البيان في حل شرب ما لا يغيب من الدخان" لعلي بن محمَّد الأجهوري المالكي ونقل فيها أنه أفتى بحله من يعتمد عليه من أئمة المذاهب الأربعة
الحنابلة:
قال السيوطي الرحيباني في شرحه على غابة المنتهى للشيخ مرعي 217/6
ويتجه حل شرب الدخان والأولى لكل ذي مروءة تركهما) ؛ أي: القهوة والدخان
وقال اللبدي على حاشية نيل المآرب 314/2
للزوج ان يمنعها لرائحته الكريهة قياسا باكل البصل والثوم ما لم تتضرر بتركه، وإلا فهو من النفقة الواجبة ) اي مباح
هذا ما صوّبه في الإنصاف، وجزم به في الإقناع.