وقرن سبحانه وتعالى طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له فقال :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد : 33 )
وطاعة الله توجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران : 31 )
لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تعني طاعته ، ومحبته هي أساس طاعته ، والطاعة شرط للمحبة وثمرتها .
لأنها أمر زائد على المحبة ومترتب عليها .
كما أن هذا الحب أمر زائد على الإعجاب بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسمو
أخلاقه وعظمة تعاليمه .
قال ابن رجب (1) - على درجتين : فرض و فضل :
1- إحداهما- فرض : وهي المحبة التي تقتضى قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله ، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم ، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية ، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه ، من تصديقه في كل ما أخبر به وطاعته فيما أمر به من الواجبات ، والانتهاء عما نهي عنه من المحرمات ، ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة ، فهذا القدر لا بد منه ، ولا يتم الإيمان بدونه .
2 - والدرجة الثانية : فضل ، وهي المحبة التي تقتضى حسن التأسي به ، وتحقيق الاقتداء بسنته ، في أخلاقه ، وآدابه ، ونوافله ، وتطوعاته ، وأكله ، وشربه ، ولباسه ، وحسن محاضرته لأزواجه ، وغير ذلك من آدابه الكاملة ، وأخلاقه الطاهرة . والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه ، واهتزاز القلب من محبته ، وتعظيمه ، وتوقره ومحبة استماع كلامه ، وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين . ومن أعظم ذلك الاقتداء به في زهده في الدنيا والاجتزاء باليسير منها ، ورغبته في الآخرة (2) .
ومما سبق يتبين لنا أن المحبة والإيمان أمران متلازمان في قلب المؤمن تلازما مطردا يزيد أحدهما بزيادة الآخر وينقص بنقصانه .
والمطالع في سيرته صلى الله عليه وسلم ومواقفه المتعددة يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز من كل خلق أرفعه ، وتسنم ذرى الأخلاق حتى سما بها ، فكان كما وصفه ربه بقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (3) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس خلقا ، وأوسعهم صدرا وأصدقهم لهجة ، وأكرمهم عشيرة ، وأوفاهم عهدا ، وأوصلهم للرحم ، قريبا من كل بر ، بعيدا عن كل إثم ، لا يقول إلا حقا ، ولا يعد إلا صدقا ، جوادا بماله ، فما قال لأحد : لا ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، شجاعا يتقي به أصحابه عند شدة البأس ، صابرا محتسبا في جنب الله كل مكروه وأذى ، يسبق حلمه غضبه ويعفو عند المقدرة ، رحيم القلب ، طيب النفس ، آتاه الله الكمال في الخلق والخلق ، والقول والعمل ، وجمله بالسكينة والوقار ، وكساه حسن القبول ، فاستمال القلوب وملك زمامها ، فانقادت النفوس لموافقته ، وثبتت القلوب على محبته ، وفدته النفوس بكل عزيز وغال .
وفي الصحيحين : عن أنس قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أف ولا : لم صنعت ؟ ولا : ألا صنعت ؟ متفق عليه ، وعنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت : والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال : فنظرت إليه وهو يضحك فقال : " يا أنيس ذهبت حيث أمرتك ؟ " . قلت : نعم أنا أذهب يا رسول الله . رواه مسلم
وعنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت هو يقول : " لم تراعوا لم تراعوا " وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج وفي عنقه سيف . فقال : " لقد وجدته بحرا " . متفق عليه
وعن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ادع على المشركين . قال : " إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " . رواه مسلم
وعنه قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة : " ما له ترب جبينه ؟ " . رواه البخاري
وعن الأسود قال : سألت عائشة : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة . رواه البخاري
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح . رواه الترمذي وصححه الألباني في المشكاة
------------------------------------------------------
(1) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (726 هـ - 795 هـ) محدث . فقيه . من تصانيفه : شرح سنن الترمذي ، فتح الباري شرح صحيح البخاري لم يكمله ، جامع العلوم والحكم . ذيل طبقات الحنابلة وغيرها . انظر . الأعلام 3 / 295 .
(2) استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس . لأبي الفرج عبد الر حمن بن رجب الحنبلي . طبع مطبعة الإمام . مصر ص34 ، 35 .
(3) سورة القلم ، آية(4) .