قد اشتهر عن السلف أن مذهبهم التفويض كما نقل ذلك جمع من العلماء...
وحيث إن الله عز وجل غيب لا تدركه العقول ولا الأوهام...لذا فالتفويض يتناول ذات الله وصفاته...
فالأشاعرة يثبتون لله ما أثبته لنفسه وينفون عنه ما نفى عن نفسه من غير خوض في معرفة كنه وحقيقة ذات الله وصفاته..وهذا هو التفويض الإجمالي...وأما تفصيله فلك بيانه:
- الأشاعرة يثبتون وجود الذات العلية ولكنهم يفوضون حقيقة الذات الإلهية..
- الأشاعرة يثبتون صفات المعاني كالعلم والقدرة والإرادة وأن لها حقائق في الخارج...ويفوضون معرفة هذه الحقائق...(وأما أفعاله عز وجل وهي حادثة عندهم فيثبت الأشاعرة أن الله يفعل كل أفعاله في مخلوقاته لا في ذاته)
- وأما في المتشابهات..فللأشاعرة في تفويضها مذهبان:
- الأول:إمرار النصوص على ظواهرها..وتفويض المعنى المراد منها مع نفي المعنى الظاهري المتبادر للذهن الذي يحمل معنى فاسدا..وهذا هو المراد بالتفويض المنقول عن السلف...
- الثاني:إثبات الإضافات كاليد والوجه والعين... صفات لله عز وجل مع نفي كونها جارحة وعضوا وجزءا بل هي صفات معان كالعلم والقدرة والإرادة على التحقيق..ويفوضون حقائق هذه الصفات كما فوضوا حقائق صفات المعاني كالعلم والقدرة والإرادة...
وقد ورد عن بعض السلف بعض التأويلات ومنها تأويلات واجبة كتأويل المعية بمعية علم لا معية ذات في ردهم على الجهمية...وهذا يدلل على أن أصل التأويل مستمد من السلف...
وهنا سؤال يطرح نفسه:
- كيف نقل إجماع السلف على التفويض..وقد وردت بعض التأويلات عنهم...أليس ذلك نقضا للإجماع؟
الجواب:
التفويض والتأويل وردا عن السلف كما رأيت..ولا تعارض بينهما..فالتفويض تأويل إجمالي:فنفي المعنى الظاهري تأويل..وعدم تعيين المعنى المراد وتفويضه لعلم الله هو الإجمال..
ولكن السلف رجحوا التفويض على التأويل..فكان إجماعا في ترجيح التفويض على التأويل...وهو من باب التأدب مع الله..حيث إن هذه الإضافات كاليد والوجه..ليست قطعية في كونها صفات لأنها أعضاء وأجزاء على معانيها الحقيقية..وليست قطعية بأنها غير صفات لأن الله أضافها لنفسه..فتوقفوا في ذلك مع نفي المعنى الفاسد الذي تحمله وفوضوا المعنى المراد لقائله...
وأما الخلف فقد عملوا بالمرجوح وهو التأويل لحاجة دفع شبهات المبطلين من الفرق المبتدعة..
وكما هو معلوم فإنه يجوز العمل بالمرجوح وترك الراجح لحاجة..كما قرره الجمهور....