كيف اختلف المسلمون في تأويل آية { وكلم الله موسى تكليما }
ساكتبها على شكل حوار لتبسيط المفهوم ومعرفة الاراء المخالفة لاهل السنة فيما اتفقوا عليه
اولا : واهم شيء ان تعرف اخي القاريء ان جميع المسلمين متفقون على تنزيه الله بلا شك ... وهذا التنزيه مأمورون به لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء }
ثانيا : بناء على النقطة الاولى وهي التنزيه اضطر المسلمون الى تأويل الاية بما ينسجم مع التنزيه وفق رؤياهم في التنزيه
ثالثا : لا يوجد ضلال في احد الاقوال كون ذلك يستند الى ظن وليس بمقطوع به دلالة صريحة صحيحة وانما هي اجتهادات تخدم فكرة التنزيه كما يراها حسب منهج تناول النصوص عند كل فرقة ...
رابعا : الاقوال المطروحة في التأويل جائزة عقلا ونقلا ولا يفتئت أحد على أحد كون انه لا يوجد احد يقول تأكيدا ان مراد الله في الاية ما انا عليه وما ذهبت اليه ...
خامسا : ما ذهبت اليه كل فرقة يندرج تحت بند المتشابه الذي يحتمل جميع الاوجه التي تطرق اليه كل علماء اي فرقة ومذهب وان ذلك يجوز التوجيه به حيث وجهها كل فريق
سادسا : وعليه فان مقياس الصحة والحق نسبي بقوة دلائله لا اكثر ولا اقل ..
لذلك ؛ فان الاختيار من بين الاقوال وجوبا -عقلا ونقلا - على اقوى الادلة في ذلك .. وانا في رأيي اجد اقواها ما ذهب اليه اهل السنة ومَذْهَب أهل السّنة أَنه سمع كَلَام الله حَقِيقَة، بِلَا كَيفَ ...مع عدم تبديعي او تضليلي او اطلاق الكفر على من خالفنا في هذه المسألة
اما عقلا فلان المنطق يقول انه لولا ان قوة الدليل كبيرة لما جذب اليه الجمهور وهم الاكثر عددا من فقهاء وعلماء الاسلام واما نقلا فلاننا مأمورون باتباع سبيل المؤمنين وهم الاجماع اي الجمهور كما هو عليه اكثر المفسرين والفقهاء بشأن معنى سبيل المؤمنين
نأتي لمسألة تكليم موسى .. فرضنا جدلا هذا الحوار بين الفرق
علينا ان نؤمن بداية الحوار ان الجميع متفق ان الله كلم موسى ولم ينفِ احد ذلك وانما الخلاف في كيفية هذا التكلم ومحل النزاع هو جريان التنزيه واماطة النقص عن الله .. فالنقص عليه محال ونفي الكمال ليس من الجلال لعظمته تقدس اسمه ..
الحوار التالي عن اختلافهم في كيفية تكلم الله مع موسى :
- اهل السنة الاشاعرة : فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } ؛ من هنا ابتائية الغاية التي تفيد المكان والعندية (عند : ظرف مكان) ؛ والمعنى أن شاطئ الوادي جانبه وجاء النداء عن يمين موسى من شاطئ الوادي من عند الشجرة
- اهل السنة والاباضية : لو كان هو الشجرة لكان قد قالت الشجرة إني أنا الله او هو الشجرة
- المعتزلة والامامية : أن هذا إنما يلزم لو كان المتكلم بالكلام هو محل الكلام لا فاعله
- اهل السنة
- الماتريدية : لا أن كلمه بكلامه، ولا ندري كيف كان؟ سوى أنا نعلم أنه أحدث صوتًا لم يكن، فأسمع موسى ذلك كيف شاء، وما شاء، وممن شاء؛ لأن كلامه الذي هو موصوف به في الأزل لا يوصف بالحروف، ولا بالهجاء، ولا بالصوت، ولا بشيء مما يوصف به كلام الخلق بحال. وما يقال: هذا كلام اللَّه - إنما يُقال على الموافقة والمجاز؛ كقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، ولا سبيل له أن يسمع كلام اللَّه الذي هو موصوف به بالأزل؛ ولكنه على الموافقة والمجاز يقال ذلك.
- الاشاعرة : أن الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت يمكن أن يكون مسموعا، كما أن الذات التي ليست بجسم ولا عرض يمكن أن تكون مرئية فعلى هذا القول لا يبعد أنه سمع الحرف والصوت من الشجرة وسمع الكلام القديم من الله تعالى لا من الشجرة فلا منافاة بين الأمرين....فقد خلق الله لموسى - عليه السلام - فهما في قلبه وسمعاً في أذنيه سمع به كلامه ليس بصوت ولا حرف كما يرونه في الآخرة بغير جهة ولا كيف سمعة بإذنه وفهمه بقلبه وعلم بضرورته أن المكلم له ربهقال أهل السنة خلق الله لموسى - عليه السلام - فهما في قلبه وسمعاً في أذنيه سمع به كلامه ليس بصوت ولا حرف كما يرونه في الآخرة بغير جهة ولا كيف سمعة بإذنه وفهمه بقلبه وعلم بضرورته أن المكلم له ربه
- اهل السنة : أجاب أهل السنة بمثال عندما اراد اليهود تسميم رسول الله فانطق الله الذراع بأن الذراع المسموم قال لا تأكل مني فإني مسموم ⁽¹⁾ ففاعل ذلك الكلام هو الله تعالى، فإن كان المتكلم بالكلام هو فاعل ذلك الكلام لزم أن يكون الله قد قال لا تأكل مني فإني مسموم، وهذا باطل وإن كان المتكلم هو محل الكلام لزم أن تكون الشجرة قد قالت إني أنا الله وكل ذلك باطل.
- أهل السنة والاباضية : يحتمل أن يقال إنه تعالى خلق فيه علما ضروريا بأن ذلك الكلام كلام الله
- المعتزلة : لو علم بالضرورة أن ذلك الكلام كلام الله لوجب أن يعلم بالضرورة وجود الله تعالى لأنه يستحيل أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات معلومة بالنظر ولو علم موسى أنه الله تعالى بالضرورة لزال التكليفلو علم بالضرورة أن ذلك الكلام كلام الله لوجب أن يعلم بالضرورة وجود الله تعالى لأنه يستحيل أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات معلومة بالنظر ولو علم موسى أنه الله تعالى بالضرورة لزال التكليف
- اهل السنة والاباضية :
- يحتمل أن يقال إنه تعالى لما أسمعه الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت عرف أن مثل ذلك الكلام لا يمكن أن يكون كلام الخلق
- يحتمل أن يقال إن ظهور الكلام من الشجرة كظهور التسبيح من الحصى في أنه يعلم أن مثل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى
- يحتمل أن يكون المعجز هو أنه رأى النار في الشجرة الرطبة فعلم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وبين خضرة الشجرة إلا الله تعالى
- يحتمل أن يصح ما يروى أن إبليس لما قال له كيف عرفت أنه نداء الله تعالى؟ قال لأني سمعته بجميع أجزائي، فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم أن ذلك مما لا يقدر عليه أحد سوى الله تعالى
- اهل السنة والاباضية : مخاطبة من غير وسيطة، وتأكيد {وَكَلَّمَ} بالمصدر يدل على تحقيق الكلام، وأنه سمع كلام الله تعالى؛ لأن أفعال المجاز لا تؤكد بذكر المصادر، وذلك منبىء في الأغلب عن تحقيق الفعل ووقوعه، وأنه خارج عن وجوه المجاز والاستعار وذلك منبىء في الأغلب عن تحقيق الفعل ووقوعه، وهذا رد على من يقول: إن الله خلق كلامًا في محل فسمع موسى ذلك الكلام؛ لأنه حينئذ لا يكون كلام الله... لو جاءت {وَكَلَّمَ اللَّهُ} مجردة لاحتمل ما قلنا وما قالوا، فلمَّا جاءت {تَكْلِيمًا} خرج الشك الذي كان يدخل في الكلام وبطل الاحتمال للشيئين ⁽²⁾.
- قال ابن عرفة : وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام
- المعتزلة والامامية : لا يفي بالمقصود إذ نهاية ما فيه رفع المجاز عن الفعل في هذه المادة ، ولا تعرض له لرفع المجاز عن الإسناد فللخصم أن يقول : التكليم حقيقة إلا أن إسناده إلى الله تعالى مجاز ولا تقوم الآية حجة عليه إلا بنفي ذلك الاحتمال ، نعم إنها ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة والجملة إما معطوفة على قوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ النساء : 163 ] عطف القصة على القصة لا على { ءاتَيْنَا } [ النساء : 163 ] وما عطف عليه ، وإما حال بتقدير قد كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات ، والمعنى أن التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحي وأعلاها
- قال المعتزلة والامامية : يلزم من كلامك انه محصور في جهة وهذا ممتنع عن الرب
- قال اهل السنة : أن كون السامع في جهة لا يلزمه كون المسموع من جهة
- الوهابية : وافقوا اهل السنة في ان الكلام على الحقيقة لكنهم اختلفوا بكيفية حجوثه ... فنفوا ان التكليم هو كلام قائم بالنفس وثبتوا نه كلام بصزت وحرف سمعه موسى
- اهل السنة والاباضية : يلزم من قول الوهابية التشبيه بمخلوقاته وهذا ممنوع عقديا بنص الاية المحكمة : ليس كمثله شيء .. والتشبيه الالزم من كلامهم انه سمعه بصوت وحرف ان يكون له فم وشفتين ولسان .. فختى نمنع دلالة الالتزام في قولهم تجنبا للتشبيه فاننا نقول انه الهم بذلك الكلام الهاما بلا صوت ولا حرف حيث ان منتهى الكلام هو الفهم ... واستدلوا باية {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ففهم ان التكليم هو صورة من الصور الوحي بدلالة وراء حجاب.
ملاحظة
1. المعتزلة والشيعة الامامية على نفس التاويل وهي الواسطة من الشجرة...
2. اهل السنة والاباضية على نفس التاويل وهو كلام قائم بالنفس ..
3. الوهابية : تأولوها بالكلام الحقيقي بالصوت والحرف جريا لهم على تفسير ظواهر النصوص دون الالتفات الى نص خارجي مثل ليس كمثله شيء .. قيقومون بالترجيح من داخل النص ثم يستانسوا فيما هو خارج النص ..!!!
______________________________________________________
(1) في رواية البخاري ومسلم : (إنَّ هذا العظمَ لَيخبِرُني أنه مسمومٌ)
وتفصيلها في الروايات الاخرى : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لقد أُعطِيتُ خيرًا منه انقلبْتُ من قتالِ المشركين يومَ بدرٍ ، وأنا جائعٌ شديدُ الجوعِ ، فلمَّا انصرفْتُ استقبلتني امرأةٌ يهوديَّةٌ وعلى رأسِها جَفنةٌ ، وفي الجَفنةِ جَديٌ مشوِيٌّ وفي كُمِّها سكَّرٌ فقالت : يا محمَّدُ الحمدُ للهِ الَّذي سلَّمك ، ولقد كنتُ نذرتُ للهِ نذرًا إذا انقلبتَ سالمًا من هذا الغزوِ لأذبحنَّ الجَديَ وأشوِيَنَّه ولأحمِلَنَّه إلى محمَّدٍ ليأكُلَه ، فنزلتُ فضربْتُ بيدي فيه ، فاسْتُنطِق الجِديُ ، فاستوَى على أربعٍ قائمًا وقال يا محمَّدُ لا تأكُلْ منِّي فإنِّي مسمومٌقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : لقد أُعطِيتُ خيرًا منه انقلبْتُ من قتالِ المشركين يومَ بدرٍ ، وأنا جائعٌ شديدُ الجوعِ ، فلمَّا انصرفْتُ استقبلتني امرأةٌ يهوديَّةٌ وعلى رأسِها جَفنةٌ ، وفي الجَفنةِ جَديٌ مشوِيٌّ وفي كُمِّها سكَّرٌ فقالت : يا محمَّدُ الحمدُ للهِ الَّذي سلَّمك ، ولقد كنتُ نذرتُ للهِ نذرًا إذا انقلبتَ سالمًا من هذا الغزوِ لأذبحنَّ الجَديَ وأشوِيَنَّه ولأحمِلَنَّه إلى محمَّدٍ ليأكُلَه ، فنزلتُ فضربْتُ بيدي فيه ، فاسْتُنطِق الجِديُ ، فاستوَى على أربعٍ قائمًا وقال يا محمَّدُ لا تأكُلْ منِّي فإنِّي مسمومٌ
(2) تهذيب اللغة (4/ 3180)