قال الشيخ ابن عربي في (الفتوحات (2/673):
«وإن عمروا النارَ فإنّ لهم فيها نعيمًا ذوقيًا لا يعرفه غيرهم، فإنه لكل واحدة من الدارين ملؤها، فأخبر الله أنه يملؤها ويخلِّدُ فيها مؤبدًا، ولكن ما ثَم نصٌ بتسرمد العذاب الذي هو الألم، لا الحركات السببية في وجود الألم في العادة، بالمزاج الخاص المُحِس للألم، فقد نرى الضربَ والقطعَ والحرقَ في الوجود ظاهرًا، ولكن لا يلزم عن تلك الأفعال ألم، ولا بد وقد شاهدنا هذا من نفوسنا في هذا الطريق، وهذا من شرف الطريق، وفيه يقول أصحابنا: ليس العجب من وَرْدٍ في بستان، فإنه المعتاد، وإنما العجب من وردٍ في وسط النار؛ لأنه غير معتاد. يريد أنه ليس العجب ممن يجد اللذة في المعتاد، وإنما العجب ممن يجد اللذة في غير السبب المعتاد».اهـ
الشاهد ان هذا النص يثبت ان هذا من عقيدة الخواص الثالثة قوله : "وقد شاهدنا هذا من نفوسنا في هذا الطريق، وهذا من شرف الطريق"
أما قوله " "ولكن ما ثَم نصٌ بتسرمد العذاب الذي هو الألم"
صار من الطبيعي ان يناقش في هذا المر لأنه أصبح محل دعوى وقضيته عدم وجود نص!!
لذلك وجب التفريق بين العقيدة "الغامضة" كما وصفها هو ! وبين عقيدة العوام اي العامة من المسلمين والتي هي عقيدة اهل السنة الاشاعرة والماتريدية والحنابلة بكل وجه من الوجوه كما ذكره هو نفسه واشهد عليها الله والملائكة والخلق اجمعين انها عقيدته ..
واما قوله في الفتوحات (4/307) :
«فلذة أصحاب الجحيم عظيمة...... إبراهيم الخليل -عليه السلام- في وسط النار يتنعم ويلتذ، ولو لم يكن -عليه السلام- إلا في حمايتها إياه من الوصول إليه، فالأعداء يرونها في أعينهم نارًا تأجّج، وهو يجدها بأمر الله إياها بَرْداً وسَلاماً». اهـ
هذا القول مردود جملة وتفصيلا
1. قياسه بالشبه:
فقياسه هذا قياس بالشبه !! وهو قياس لا يصح ولا يستقيم للفارق بل للفوارق التي تخرج صحة الشبهة منها :
1. ان الله خرق بها العادة "لرجل مؤمن" بينما اهل النار كفار بالنص
2. أن الله خرق بها العادة في الدنيا بخلاف الثانية ستكون في الاخرة فلا يصح قياس الشاهد على الغائب
3. يُردّ بكثرة نصوص الوعيد الصريحة في تأبيد وخلود اهل النار في عذابهم منها :
1. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
2. (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً).
3. (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
وهذه نصوص لا تحتمل ان تكون ظاهرا ليتم التوفيق بينها وبين غيرها الظاهر!!
فجمع الله فيها بين الخلود والتأبيد!! ليقطع به قول من قام بالتفريق بين التخليد والتأبيد!!
فإذا كان الكافر خالداً مؤبداً ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ، لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد ولا تخليد وهذا رد على "التيمية" في فناء مكان النار
4. ويرد بنصوص بقاء العذاب مخلدا مؤبدا بتخليد النار وسكانها : قوله تعالى :
1. سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
2. كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
3.فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
4. وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا
5. فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً
وأخيرا نقول : ان ابن عربي وابن تيمية ممن خالفا لشبهة قامت عندهما فيعذرا عند الله ..
وقد رفض السبكي تكفير ابن تيمية في هذه المسألة على الرغم انها من القطعيات بالدين التي لا يسع للمسلم ان يخالفها او تقليد ضدها !!
2. قياسه بصفة الرحمة التي وسعت كل شيء
القياس لا يستقيم ويردّ بقوله تعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
قال اهل السنة :
العذاب يدوم بدوام سببه، وهو "قصد الكفر"، وبقاء العزم عليه، ولا شك أنهم لو عاشوا أبد الآباد لاستمروا على كفرهم
وهذا بناء على صفة العلم الأزلي الذي يجب ألا يتطرق اليه الشك او الجهل او النسيان او السفه ..!!
ثم ان الله كذّبهم في دعواهم طلب الرجوع ليعملوا صالحا!! {.. وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
فالعذاب على الكفر الحاصل الملازم لهم؛ حتى لو أعيدوا إلى الأرض وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف لو كان يكون ..
2. وقياسهم هذا لنفي الظلم عن الله قياس مع الفارق فإن الظلم الحاصل لهم بسببهم لا بسبب من الله حتى ينسب له الظلم - حاشاه-
ويرد بالشاهد وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ
اما عمدة ادلتهم :
وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، يعني تعالى ذكره بقوله: (خالدين فيها)، لابثين فيها (20) ، ويعني بقوله: (ما دامت السماوات والأرض)، أبدًا . (21)
* * *
وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض ، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: " هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار ". و " ما سمر ابنا سَمِير "، و " ما لألأت العُفْرُ بأذنابها " يعنون بذلك كله " أبدا ". فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
* * * (انظر الطبري)
واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه الله في بأهل التوحيد ، أنه يخرجهم من النار إذا شاء ، بعد أن أدخلهم النار.
وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: (إلا ما شاء ربك) ، إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ) ، (إلا ما شاء ربك)، لا من " الخلود ".
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القولُ الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك: من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدًا إلا ما شاءَ من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناءً في أهل الشرك ، وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة ، فغير جائز أن يكون ذلك استثناء في أهل التوحيد قبل دُخُولها ، مع صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ، وأنّا إن جعلناه استثناء في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: " لا يدخل الجنة فاسق ، ولا النار مؤمن "، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم ، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان ، فلا قول قال به القُدْوة من أهل العلم إلا الثالث.
«وإن عمروا النارَ فإنّ لهم فيها نعيمًا ذوقيًا لا يعرفه غيرهم، فإنه لكل واحدة من الدارين ملؤها، فأخبر الله أنه يملؤها ويخلِّدُ فيها مؤبدًا، ولكن ما ثَم نصٌ بتسرمد العذاب الذي هو الألم، لا الحركات السببية في وجود الألم في العادة، بالمزاج الخاص المُحِس للألم، فقد نرى الضربَ والقطعَ والحرقَ في الوجود ظاهرًا، ولكن لا يلزم عن تلك الأفعال ألم، ولا بد وقد شاهدنا هذا من نفوسنا في هذا الطريق، وهذا من شرف الطريق، وفيه يقول أصحابنا: ليس العجب من وَرْدٍ في بستان، فإنه المعتاد، وإنما العجب من وردٍ في وسط النار؛ لأنه غير معتاد. يريد أنه ليس العجب ممن يجد اللذة في المعتاد، وإنما العجب ممن يجد اللذة في غير السبب المعتاد».اهـ
الشاهد ان هذا النص يثبت ان هذا من عقيدة الخواص الثالثة قوله : "وقد شاهدنا هذا من نفوسنا في هذا الطريق، وهذا من شرف الطريق"
أما قوله " "ولكن ما ثَم نصٌ بتسرمد العذاب الذي هو الألم"
صار من الطبيعي ان يناقش في هذا المر لأنه أصبح محل دعوى وقضيته عدم وجود نص!!
لذلك وجب التفريق بين العقيدة "الغامضة" كما وصفها هو ! وبين عقيدة العوام اي العامة من المسلمين والتي هي عقيدة اهل السنة الاشاعرة والماتريدية والحنابلة بكل وجه من الوجوه كما ذكره هو نفسه واشهد عليها الله والملائكة والخلق اجمعين انها عقيدته ..
واما قوله في الفتوحات (4/307) :
«فلذة أصحاب الجحيم عظيمة...... إبراهيم الخليل -عليه السلام- في وسط النار يتنعم ويلتذ، ولو لم يكن -عليه السلام- إلا في حمايتها إياه من الوصول إليه، فالأعداء يرونها في أعينهم نارًا تأجّج، وهو يجدها بأمر الله إياها بَرْداً وسَلاماً». اهـ
هذا القول مردود جملة وتفصيلا
1. قياسه بالشبه:
فقياسه هذا قياس بالشبه !! وهو قياس لا يصح ولا يستقيم للفارق بل للفوارق التي تخرج صحة الشبهة منها :
1. ان الله خرق بها العادة "لرجل مؤمن" بينما اهل النار كفار بالنص
2. أن الله خرق بها العادة في الدنيا بخلاف الثانية ستكون في الاخرة فلا يصح قياس الشاهد على الغائب
3. يُردّ بكثرة نصوص الوعيد الصريحة في تأبيد وخلود اهل النار في عذابهم منها :
1. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
2. (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً).
3. (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)
وهذه نصوص لا تحتمل ان تكون ظاهرا ليتم التوفيق بينها وبين غيرها الظاهر!!
فجمع الله فيها بين الخلود والتأبيد!! ليقطع به قول من قام بالتفريق بين التخليد والتأبيد!!
فإذا كان الكافر خالداً مؤبداً ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ، لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد ولا تخليد وهذا رد على "التيمية" في فناء مكان النار
4. ويرد بنصوص بقاء العذاب مخلدا مؤبدا بتخليد النار وسكانها : قوله تعالى :
1. سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ
2. كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
3.فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
4. وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا
5. فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً
وأخيرا نقول : ان ابن عربي وابن تيمية ممن خالفا لشبهة قامت عندهما فيعذرا عند الله ..
وقد رفض السبكي تكفير ابن تيمية في هذه المسألة على الرغم انها من القطعيات بالدين التي لا يسع للمسلم ان يخالفها او تقليد ضدها !!
2. قياسه بصفة الرحمة التي وسعت كل شيء
القياس لا يستقيم ويردّ بقوله تعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
قال اهل السنة :
العذاب يدوم بدوام سببه، وهو "قصد الكفر"، وبقاء العزم عليه، ولا شك أنهم لو عاشوا أبد الآباد لاستمروا على كفرهم
وهذا بناء على صفة العلم الأزلي الذي يجب ألا يتطرق اليه الشك او الجهل او النسيان او السفه ..!!
ثم ان الله كذّبهم في دعواهم طلب الرجوع ليعملوا صالحا!! {.. وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
فالعذاب على الكفر الحاصل الملازم لهم؛ حتى لو أعيدوا إلى الأرض وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف لو كان يكون ..
2. وقياسهم هذا لنفي الظلم عن الله قياس مع الفارق فإن الظلم الحاصل لهم بسببهم لا بسبب من الله حتى ينسب له الظلم - حاشاه-
ويرد بالشاهد وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ
اما عمدة ادلتهم :
وقوله: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)، يعني تعالى ذكره بقوله: (خالدين فيها)، لابثين فيها (20) ، ويعني بقوله: (ما دامت السماوات والأرض)، أبدًا . (21)
* * *
وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض ، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: " هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار ". و " ما سمر ابنا سَمِير "، و " ما لألأت العُفْرُ بأذنابها " يعنون بذلك كله " أبدا ". فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: (خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض) ، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا.
* * * (انظر الطبري)
واختلف أهل العلم والتأويل في معنى ذلك فقال بعضهم: هذا استثناءٌ استثناه الله في بأهل التوحيد ، أنه يخرجهم من النار إذا شاء ، بعد أن أدخلهم النار.
وقال آخرون: الاستثناء في هذه الآية في أهل التوحيد، إلا أنهم قالوا: معنى قوله: (إلا ما شاء ربك) ، إلا أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار. ووجهوا الاستثناء إلى أنه من قوله: ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ) ، (إلا ما شاء ربك)، لا من " الخلود ".
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القولُ الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك: من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدًا إلا ما شاءَ من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغير جائز أن يكون استثناءً في أهل الشرك ، وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يدخل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة ، فغير جائز أن يكون ذلك استثناء في أهل التوحيد قبل دُخُولها ، مع صحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ، وأنّا إن جعلناه استثناء في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: " لا يدخل الجنة فاسق ، ولا النار مؤمن "، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم ، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا فسد هذان الوجهان ، فلا قول قال به القُدْوة من أهل العلم إلا الثالث.