بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

مسألة السَّدْل عَلى الجَنْب والقَبْض على الصَّدْر

 وَيُنْدَبُ فِي الْقِيَامِ إِرْسَالَُ الْيَدَيْنِ بِوَقَارٍ ويُسَمّى السَّدْلُ عَلَى الْجَنْبَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ خِلافاً للجُمْهورِ فِي الْفَرْضِ لأنَّهُ عَمَلُ أهْلِ المَدينَةِ ؛ وأمّا فِي صَلَاَةِ النَّافِلَةِ فيَقْبِضُ يَمِينَهُ عَلَى كُوعِ يَسَارِهِ وَيَضَعَها تَحْتَ الصَّدْرِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: الْمَذْهَبُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَأَدِلَّةُ السَّدْلِِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الأحَاديثِ النّبَويَّةِ وعَملِ الصّحابةِ وعَمَلِ أهْلِ المّدينَةِ وَلَيْسَ لِعَمَلِ أهْل الْمَدِينَة فحَسْب!! ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا مِنَ أوَّلِ " الْمُرَجِّحَاتِ " وَلَيْسَ دَليلاً مُسْتَقِلاً.

وَحَقِيقَةُ الْقَبْضِ : هُوَ رَفْعٌ لِلْيَدَيْنِ عَنْ مَكَانِ أَصْلِهِمَا وَهُوَ الْجَنْبَيْنِ. وَلِأَنَّ أَصْلَ خِلْقَةِ الإنْسانِ فِي الْقِيَامِ هُوَ ارْسالُ الْيَدَيْنِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِي الأحَاديثِ اسْتِصْحَابًا لِلأصْلِ فَلَا تَحْتَاجُ الى ذِكْرٍ وَلا لدَليلٍ.

فَكَراهَةُ الإمامِ للقّبض  وموجِباتُها كما يَلي:-

أولاً : للأحاديث المُجْمَلة والمَعْلُولَةِ :

[1] .ِأَنَّهُ اِعْتِمَادٌ  وهُوَ مَنْهيٌّ عَنْهُ كما فيَ الحَديثِ الصَّحِيحِ" نَهَى × أَْنْ يَعْتَمِدَ على يَدَيْه. وَفِي رِوَايَةِ نَهَى × أَْنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ، وَهُوَ مُعْتَمَدٌ عَلَى يَدِهِ.وإسْنادُهُ صَحيحٌ، وَقَالَ × : اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاَةِ.وإنْ كانَ في السَّلام فَعَلى قاعِدةٍ عِنْدَ الأُصُوليِّين:  "الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ"

[2] . مُطْلَقِ الرَّفْعِ :  فالأحَاديثُ كُلُّهَا تَنْفِي " مُطْلَقَ الرَّفْعِ " بَعْدَ الأحْرامِ فمِنْها على سَبيل المِثال لا الحَصْرِ:

1. عَنِ الْبرَاءِ بْن عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ×  كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ الصَّلَاَةَ ثُمَّ لَا يَرْفَعُهَا حَتَّى يَنْصَرِفُ. 

2. وَعَنْ عَاصِمِ بْن كُلَيْب عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا اِفْتَتَحَ الصَّلَاَةَ ثُمَّ لَا يَعُودُ. وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدُ بْن أَبِي زياد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى عَنْهُ. وَعِنْدَنَا فزِيَادَةُ الثِّقَةِ مُرَحِّحٌ  لِعَدَمِ تَعارُضِها مَعَ العَمَل 

[3] . ثُمَّ َعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كُلُّ أَحَادِيثِ الْقَبْضِ مَعْلُولَةٌ بِعِلَلٍ حَديثِيَّةٍ لا تًخْفى مما يَقدَحُ في صِحَّةِ الاحْتِجاجِ وإنْ كانَتْ صًحيحة بمَجْموعِها كشاهدٍ. وَبِمَا فِيهَا حَديثُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ . حَتَّى الْبُخَارِيّ لَمْ يَجْزِمْ بِحَديثِ الْقَبْضِ ! وَتَبْوِيبُهُ وَتَقْديمُ رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِكٍ لَا تُفِيدُ شَيْئًا فَقَدْ ذَكَرَ رِوَايَةَ شَيْخِهِ اسْمَاعِيل الْمُرْسَلَةَ وهِيَ مَظَنَّةِ الضَّعْفِ!! وَقَدْ تَرَكَهَا مَالِكٌ فِي آخِرِ قِرَاءةٍ لِلْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ كذلِكَ.

وَمَنْ أَرَادَ الْمَزِيدَ مِنَ الادلّةِ فَيَرْجِعْ لِكِتَابِي "صِفَةُ الصَّلَاَةِ".

ثانياً : عَمَلُ الصَّحَابَةِ :

1. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِي مُصَنَّفِه- وهو ثِقَةٌ- : رَأَيْتُ اِبْنَ جُرَيْجِ يُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ "مُسْدِلًا يَدِيهِ". وَعَنْهُ قَالَ: أَهْلُ مَكَّة يَقُولُونَ: أَخَذَ اِبْنُ جُرَيْجِ الصَّلَاَةِ مِنْ عَطَاءٍ، وَأَخَذَهَا عَطَاءٌ مِنَ اِبْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهَا اِبْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بِكْرٍ، وَأَخَذَهَا أَبُو بِكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ- ×- مَا رَأَيْتُ أحَدًا أَحْسَنَ صَلَاَةً مِنَ اِبْنِ جرِيجِ . وَعَلَيْه؛ فقَضِيَّتُهُ ؛ أِبْوِ بِكَرٍّ كَانَ يُسْدِلُ وَالرَّسُولُ كَانَ يُسْدِلُ.

2. وثَبَتَ أنَّ عَبْدَاللَّه بْن الزُّبَيْرِ كَانَ يُرْسِلُ فِي الصَّلَاَةِ. وقَدْ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنَظُرَ إِلَى صَلَاَةِ رَسُولِ اللهِ × فَاِقْتَدِ بِصَلَاَةِ عَبْدِ اللهِ بْن الزُّبَيْرِ. وقضيَّتُهُ : كَانَ رَسُولُ اللهِ يُرْسِلُ يَدِيْهِ 

3. حَديثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ × في مَقامِ "المُتَحَدّي" قَالَ أَبُو حُميدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاَةِ رَسُولِ اللهِ، قَالُوا: فَلِمَ ؟ فوالله مَا كَنَتَ بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعَا وَلَا أقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: بَلَى ، قَالُوا: فَاِعْرِضْ ... الخ.  فقد ذكَرَ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ مَوْضِعَ الْكَفَّيْنِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ فِي الرُّكوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ وَالتَّشَهُّدِ إِلَّا مَحَلَّ الْقِيَامِ ! فالمُقْتَضى قائمٌ فيمَا لَوْ كانَ القَبْضُ مِنْ سُنَنِها؛ فَلَا يَعْنِي هذا إلّا اِسْتِصْحَابُ الأصْلِ فِيهَا وَإلَا سَقَط التَّحَدِّي كَمَا أنَّ سَعْدَ بْن سَهْلٍ كَانَ أحَدُ الْعَشرَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلِيْهِ وَهُوَ رَاوِي حَديثَ الْقَبْضِ !!

ثالِثاً : عَمَلُ أهْلِ المَدينَةِ:

1. لِلْإمَامِ مَالِكٍ تِسْعَةُ مِئَةِ شَيْخٍ ثُمّ قَالٍ عَنِ الْقَبْضِ لَا أعْرِفُهُ دَليلاً (!!) 

2. ونَقَلَ هذه الكراهةَ عنه ابنُ القاسِمِ وابنُ وهْبٍ ، كَمَا فِي رِوَايَةِ اِبْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةِ اِبْنِ وَهْبٍ فِي أَحْكَامِ الْقُرَانِ لِلطَّحَاوِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحِ .قَالَ الطَّحاويّ : فَأَمَّا مَالِكٌ فَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى كَرَاهِيَّةِ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ، وَإِلَى إبَاحَتِهِ فِي النَّوَافِلِ عِنْدَ طُولِ الْقِيَامِ حَدَّثهُ بذلك يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْنُ وَهَبٍ عَنْ مَالِكٍ بِذَلِكَ وقالَ يُونُسُ: وَخَالَفَهُ فِيهِ اِبْنُ وَهَبْ فاسْتَحَبَّهُ. وعَلَيْه؛ فَلَمْ يَتَفَرَّدْ اِبْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِكَرَاهَةِ الْقَبْضِ .وَقَدْ كانَ ابنُ وَهَبٍ يقولُ : إِذَا أَرَدْتَ هَذَا الشَّأْنَ – يَعْنِي الْفِقْهُ – عِنْدَ الْإمَامِ مَالِكٍ، فَعَلَيْكَ بِاِبْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ اِنْفَرَدَ بِهِ وَشُغِلْنَا بِغَيْرِهِ. وَقَالَ يَحْيَى اللّيْثي- وَقَدْ كَانَ يَذْهَبُ لِاِبْن وَهَبٍ- فَيَقُولُ لَهُ اِبْنُ الْقَاسِمِ: اِتَّقِ اللهَ فَانَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الأَحَاديثِ لَيْسَ عَلَيْهَا الْعَمَلَ !

3. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَسْتَنِدُ ويقَبْضُ فِي صِلَاتِهِ. وَهَذَا شَاهِدٌ أنَّ الْمَعْهُودَ - فِي أهْلِ الْمَدِينَةِ- غَيْرُ ذَلِكَ ؛ وَالًا لَمَا سَأَلُوا  حتَّى اِسْتَغْرَبُوهُ!

4. ورَوَى أَبُو زُرْعَة فِي تَارِيخِهِ: قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن إبراهيم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن يَحْيَى الْمَعَافِرِيَّ عَنْ حَيْوةَ عَنْ بكْرِ بْن عَمْروٍ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَا أُمَامَة يَعْنِي اِبْنُ سَهْلُ وَاضِعَاً إحْدَى يَدِيْهِ عَلَى الْأُخْرَى قَطُّ وَلَا أحَدَاً مِنْ أهْلِ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمَ الشامَ فَرَأَى الأَوْزَاعِيَّ وَنَاساً يَضَعُونَها.. وَهَذَا السَّنَدُ صَحِيحٌِ وَكُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ والأرْبَعةُ رَوَى لَهُمِ الْبُخَارِيُّ.

5. ثُمَّ إنّي أَرَى  فِقْهَ الْإمَامِ مُحَمَّد بْن الْحُسْنِ الشِّيباني صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي "ارْسَالِ الْيَدَيْنِ" أوْلاً عَلَى الْجَنْبَيْنِ بَعْدَ تَكْبيرَةِ الإحْرامِ وقَبْلَ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى إِلَّا إشَارَةً مِنْهُ -رَحِمَهُ اللهُ- تُفِيدُ بِمَا رَأَى مِنْ عَمِلِ أهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْإمَامِ مَالِكٍ فَقَامَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُما فِي الْحُكْمِ( إرْسَالٌ ثُمَّ قَبْضٌ) الَّذِي خَالِفَ فِيهِ شَيْخَهُ أَبَا حَنِيفَة وَأَبَا يُوسُف. فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّليلِين؛ فَكَانَ فِقْهُهُ: الإرْسَالُ سُنَّةُ الْقِيَامِ وَالْقَبْضُ سُنَّةُ الذِّكْرِ.

6. الشَّافِعيُّ وأحمدُ –رَحِمهم الله- لم يُنْكرا السدل بل ثبت عَنْهما بفعْلِهِ :

1. فقَدْ رَوَى الصَّبَّاغُ الشَّافِعِيُّ في الحاوي عَنْ أَبِي اِسْحَاقٍ الْمَرْوَزِيِّ فِي شَرْحِهِ لـ"مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ" بأنَّ "الارْسَالَ قَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ . 

2. وَكَذَلِكَ قَالَ المِرْداويُّ الحَنْبَلي فِي كتاب الانْصَافِ : وَعَنِ الإمامِ أَحَمْدٍ يُرْسِلُهُمَا مُطْلَقَا إِلَى جَانِبِيه، وَعَنْهُ يُرْسِلُهُمَا فِي النَّفَلِ دُونَ الْفَرْضِ. 

أقولُ : ولِذَلِكَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُما كَرَاهَةُ الإرْسَالِ! فَرَحِمَ اللهُ أئِمَّةَ أَهْل السُّنَّةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ لِمَالِكٍ وَأهْلِ الْمَدِينَةِ بِصِحَّةِ الإرْسَال بعَدَمِ انْكارهِ. وَمَا خَالَفُوهُ إِلَّا لِاِخْتِلَاَفِ مَنَاهِجَ الْاِسْتِنْبَاطِ لِلْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةِ لَا لكَوْنِ السَّدْلُ لَيْسَ سُنَّةً ! كما أيّ اخْتِلافٍ آخَرٍ. وَالْخِلَاَفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَيْسَ مَحَلَّهُ  سُنِّيَّةُ الْقَبْضِ إنَّما هَلْ كَانَ هَذَا آخِرُ عَمَلِ رَسُولِ اللهِ × أمْ لَا ؟

7. وأمّا تَفْرِيقُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وحَمْلُ الرِّواياتِ عَلَى النَّاقِلَةِ فَلَهُ وَجْهٌ قُوِّيٌّ ظَاهِرٌ. إذْ كَيْفَ نَقَلَ الرُّوَاةُ ذلك ؟! . 

    1. فعَنِ اِبْنِ مَسْعُودِ قَالَ: رآنِي النَّبِيَّ × وَقَدْ وَضَعَتُ ِشِمالِي عَلَى يَمِينِي فِي الصَّلَاَةِ، فَأَخَذَ بِيَمِينِي فَوَضْعَهَا عَلَى شِمَالِي. فَيُسْتَبْعَدُ اِنْهَ رآه فِي الْفَرِيضَةِ كَوْنُ × َ مَشْى إلِيَّه وَهُوَ إمامُ وفي الصَّلاةِ لِيُبَدِّلُ يَدِيْه !، فالظَّاهِرَ إنَّ ابْنَ مسْعُودٍ كَانَ يَتَنَفَّلُ . 

     2. وِعَنْ وَاِئْلَ بْن حُجْرِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ × رَفْعَ يَديْهِ حِينَ دَخَل فِي الصَّلَاَةِ كَبَرَ ثُمَّ اِلْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضْعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى . فَكَيْفَ رآه لَوْلَا أنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَتَنَفَّلُ ، فَالمأمُومُ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَرَى مَنْ أمَامَهُ وكَيْف وأنَّهُ قَدْ الْتَحَفَ !

8. وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَديثِ فِي الْمُوَطَّأِ فَلَا دَليلٌ فِيهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَالْقَاعِدَةُ الْأُصولِيَّة: "الْعِبْرَةُ بِالرَّاوِي لَا بِمَا رَوَى" لِفِقْههِ  المَسْألةَ المَنْقولةَ، وَقَدْ بيَّنَ مَالِكٌ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ اِبْنُ الْقَاسِمِ وَاِبْنُ وَهْبٍ الْكَراهَةَ .ثُمَّ إعْمالُ َقَاعِدَةِ: "إذَا تَعَارَضَ الْمَكْرُوهُ مَعَ الْمُبَاحِ قُدِّمَ الْمَكْرُوهُ". وقَاعِدَةِ "تَغْلِيبُ الْحَظْرِ عَلَى الْإبَاحَةِ" ، وَهَذِهِ مُنْبَثِقَةٌ مِنْ سَدٍّ الذَّرائِع وهِيَ أَصْلٌ في المَذْهَبِ. اضافةً أنْ يُقالُ أنَّ مَنْهَجَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ رِوايَةُ الصَّحِيحِ المقْبولِ الَّتِي يُعْمَلُ بِهِ وَالَّتِي لَا يُعْمَلُ بِهِ كَما صنَعَ التِّرْمِذِيُّ بحَديثينِ  لمِ يُعْملُ بهما !!مُخالِفاً مَنْهَجَهُ في سُنَنِهِ كما سمّاه : "الْجَامِعُ الْمُخْتَصَرِ مِنَ السُّنَنِ عَنْ رَسُولِ اللهِ × وَمَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ وَالْمَعْلُولِ وَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ"

9. و أَخِيرَا فَإنَّ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ:" لَا بَأسَ" بِالْقَبْضِ فِي الصَّلَاَةِ لَا يَعْنِي الْجَوَازُ الْمُطْلَقُ - فَهِي صِيغَةُ تَمْريضٍ- تَضْعيفٍ- كَمَا قَالَ الفَكهَانيُّ ، بَلْ يُقْصَدُ بِهِا عِنْدَ الإمامِ –بالتَّحْقيقِ- مَعْنَيان: خِلافُ الأَوْلى أو الْإبَاحَةُ؛ فَالْمُبَاحُ غَيْرُ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ أصَالةً ، وأنما عَلى التَّخْييرِ كما هِي رِوَايَةُ الْقَرِينِينَ . 

10. أمَّا َرِوَايَةُ اِبْنِ حَبيبٍ عَنْ الأَخَويْنِ فَهِيَ سَمَاعٍيّةٌ، بَيْنَمَا رِوَايَةِ سَحْنُون عَنِ اِبْنِ الْقَاسِمِ كِتَابِيَّةٌ ؛ فَتُقَدَّمُ عَلِيُّهَا لَأنَّ الْكِتَابَةَ امْلاَءٌ حُضُورِيُّ لِذا فَهِي أَثْبَتُ مِنَ النَّقْلِ بِالسَّمَعِ 

11. فَضْلًا أَنَّ راوِيها سَحْنُونَ أَثَبْتُ في عِلْمِ الجُرْحِ والتَّعْديل؛ وَاِبْنُ حَبيبٍ ضَعِيفٌ بَلْ مُتَّهَمٌ عَلَى قَوَاعِدِ المُحَدِّثينَ! قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ: صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَقَالُ اِبْنِ حَزْمٍ: رِوَايَتُهُ سَاقِطَةٌ مُطْرَحَةٌ وَقَالُ أَبُو بِكْرِ بْن أَبَى شَيْبَة: ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَ بَعْضُهُمِ اِتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ.وَوَهْنُهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ. وَ ذَكَرَ اِبْنُ الفَرَضى أَنَّهُ كَانَ يَتَسَهَّلُ فِىَّ السَّمَاعَ . فَرُتْبَةُ صَدُوق يُطْلَبُ لَهُ مُتَابَعَةٌ فَكَيْفَ وبأنَّها مُعَارِضَة بأقوالٍ ثلاثٍ عنْ مالكٍ : الإباحَةِ وَقَوْلِ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلِ التَّحْرِيمِ !! فَمَاذا بَعْدُ ؟!

والله الموفَّقُ لكلِّ خَيْرٍ.

د. زياد حبوب أبو رجائي

مجالس المذاهب

من كتابي : المختصر اللطيف في الفقه المالكي ص12-19