القرينة لغة : من المقارنة والمصاحبة فلذلك تطلق على الزوجة فيقال : فلانة قرينة فلان ([1]) ، وهذا يقود لفهم القرينة بأنها : اسم له صلة بالشيء الذي يستدل به على هذا الشئ أو الأمر.
وقال الجرجاني في « التعريفات »([2]) .
ولا بد من أمر مهم لاعتبار القرينة يستدل بها وأساساً يعتمد عليها تبعث القناعة والإقتناع بها ، ألا وهو: وجود علاقة وصلة قوية وظاهرة لا مخفية ، قائمة على أساس سليم ومنطق قويم ؛ لا على التوهم والتخيل.
ويجدر الانتباه أن القرائن في مبحث أصول الفقه يستدل بها في غياب الصيغ المجردة عن القرينة وهي : صيغ الأمر وصيغ النهي :
صيغة افعل .
صيغة لتفعل.
صيغة اسم فعل الأمر.
صيغة المصدر النائب عن فعل الأمر.
الأمر المستفاد من النهي.
صيغة: لا تفعل.
الأمر بترك الفعل.
النهي المستفاد من الأمر.
الأمر بالتولي والإعراض عن الفاعل
وجمهور الفقهاء جوز الاعتماد على القرائن ، كشاهد قوي صالح للاحتجاج ، وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم .
والقرائن تطرد من خلال صيغ كثيرة نذكر منها : صيغ الدعاء وصيغ الاستفهام والتحضيض ، والأساليب الخبرية الدالة على حكم فقهي :
دعاء النبي للفاعل ، ودعاء النبي على مرتكب الفعل، أو تاركه.
استعاذة الأنبياء من الفعل، أو فاعله.
الاستفهام الإنكاري.
الاستفهام الدال على الحض والترغيب.
الاستفهام بمعنى الأمر.
التعبير بلفظ الفرض والتعبير بلفظ الوجوب ، والتعبير بلفظ كتب عليكم .
التعبير بلفظ الاستحباب .
التعبير بلفظ التطوع ، وبلفظ النافلة .
التعبير بلفظ الفضيلة .
التعبير بلفظ القضاء وما تصرف منه.
السكوت او ضحك النبي عن الشيء بعد الاطلاع عليه
عدم مجيء الحكم في الشرع.
الدلالة على الحكم بلفظ العزيمة وما تصرف منه.
الدلالة على الحكم بلفظ الرخصة وما تصرف منه.
الدلالة على الحكم بإثبات العفو عنه، أو عن فاعله.
الاستدلال على مشروعية الفعل بورود الدليل على استحباب صفة أو هيئة فيه.
التعبير عن العبادة بمشروع فيها.
الاستدلال بفعل الرسول r.
نسبة الفعل إلى عمل الشيطان، أو توليه وتزيينه.
امتنان الله تعالى على عباده بالشيء.
إضافة الشيء بلام التمليك.
حكم الشارع بأن الفعل « حق ».
الإخبار بوقوع الشيء من غير إنكار.
ترتيب الثواب على الفعل، وترتيب الثواب على ترك الفعل.
حصول البشارة بسبب الفعل.
تأمين الفاعل ونفي الحزن والخوف عنه.
حصول ولاية الله بسبب الفعل ،وتقريب الفاعل من أجل فعله.
ذكر الله للعبد وشكره له من أجل فعله.
إيقاع العذاب بسبب الفعل.
إيقاع العذاب على تارك الفعل ، والوعيد على ترك الفعل والتوعد على الفعل.
ترتيب الحد، أو التعزير، أو التأديب على فعل، أو ترك في الدنيا.
حرمان الهدى بسبب الفعل.
الوقوع في الضلالة بسبب الفعل.
نفي الفلاح بسبب الفعل.
نفي ولاية الفاعل ونصرته.
زوال النعمة، أو حلول النقمة بسبب الفعل.
الوقوع في أسباب العذاب بسبب الفعل، أو الترك.
تحقير الفاعل وحجبه بسبب فعله.
إحباط العمل الصالح بسبب الفعل، أو الترك.
الخيبة والخسران بسبب الفعل
وصف الفعل بأنه خير، أو أفضل.
وصف الفعل بكونه قربة.
وصف المكلف بأنه محروم عند عدم الفعل.
وصف الفعل بأنه رجس، أو خبيث.
وصف الفاعل بالرجس، أوالنجس.
وصف الفعل بأنه إثم، أو فسق، أو سيئة، أو نحو ذلك.
وصف الفعل بأنه كبيرة.
وصف الفعل بأنه كفر.
وصف الفعل أو فاعله بالظلم، أو البغي، أو العدوان، أو البهتان.
تشبيه الفاعل أو فعله بالبهائم، أو الشياطين، أو الكفرة، ونحوها مما تكرهه النفوس وتعافه.
فرح الشارع بالفعل، واستبشاره به.
غضب الشارع بسبب الفعل، أو عدمه.
إخبار الشارع أن الله تعالى غني عن الفعل.
غيرة الشارع من أجل الفعل.
مدح الفعل أو الترك، أو مدح من اتصف بهما.
ترتيب الذم للفعل، أو فاعله.
ترتيب الذم على ترك الفعل.
وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بعد ذكر فعل بالحلم، والعفو، والمغفرة، والتوبة.
التصريح بالرضا عن الفاعل أو الفعل، أو التصريح بحبهما.
الحكم على الفعل بأنه بغيض، أو ممقوت، أو غير محبوب، أو غير مرضي.
مقت الفاعل، ونفي المحبة والرضا عنه من أجل فعله.
التوبيخ والعتاب بسبب الفعل، أو عدمه.
لعن الفاعل، أو الفعل.
عداوة الله تعالى للعبد بسبب فعله، ومحاربته له، وسخريته منه، ونسيانه له.
براءة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الفاعل لأجل فعله وعداوتهم له.
شكوى الأنبياء من الفاعل.
محق الشارع للشيء، أو إتلافه، أو جعل الفعل سبباً لمحق البركة.
وصية الشارع بالفعل، أو بالترك.
أمثلة من القرائن في القرآن :
1- [وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ] [فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ] {يوسف:27-28}
الشاهد : الاستدلال بقرينة : قد القميص من ظهره من جهة الخلف قرينة على صدق يوسف وكذب امرأة العزيز.
2- [[وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ] {الأنبياء:31}
الشاهد : الاستدلال بقرينة وجود الجبال والفجاج كقرينة على الهداية.
أمثلة من السنة النبوية :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها، قال: أن تسكت »([3]) ، في رواية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((والبكر يستأذنها أبوها))([4])
لذلك فإن تساؤلنا : هل يجوز إجبار الفتاة على الزواج من شاب صاحب خلق ودين؟ مثلاً !
فتطبيقاً لهذا الحديث ، والاستدلال به كقرينة لحكم الشرع في هذه المسألة ، فإنه ليس له إجبارها ، وهذا هو القول الراجح بل الصحيح([5]) ، وبنوا من هذا الحديث حكماً فقهياُ مفاده :من شروط صحة النكاح رضا الزوجين . مع الأخذ بباقي القرائن في هذه المسألة :
أ- إذا كانت البنت دون التسع فقد حكى ابن المنذر: إجماع العلماء على أن لأبيها تزويجها بالكفء بغير إذنها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنه بدون إذنها وعلمها، وكانت دون التسع.
ب- إذا كانت يتيمة ولم تستأذن والمزوج لها غير أبيها، فالنكاح فاسد - في أصح قولي العلماء –
ويتتب على ذلك ، قال العلامة ابن باز – رحمه الله - « وعلى هذا القول يجب على الزوج الذي عقد له والد البكر عليها بدون إذنها، أن يطلقها طلقة واحدة؛ خروجاً من خلاف العلماء، وحسماً لتعلقه بها بسبب الخلاف المذكور. وهذه الطلقة تكون بائنة ليس فيها رجعة؛ لأن المقصود منها قطع تعلق المعقود له بها، والتفريق بينه وبينها، ولا يتم ذلك إلا باعتبارها طلقة مبينة لها بينونة صغرى؛ كالطلاق على عوض. ويجب أن يكون ذلك بواسطة قاضٍ شرعي يحكم بينهما، ويريح كل واحد منهما من صاحبه على مقتضى الأدلة الشرعية؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الخلافية، ويحسم النزاع. »([6])
2- عن عطية القرظي رضي الله عنه ، قال : كنت من سبي يني قريظة فكانوا ينظرون ، فمن أنبت له الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت »
القرينة : اعتبار الإنبات دليلاً على البلوغ .
------------------------------------------------------------------
[1] ) معجم مقاييس اللغة – ابن فارس (5/76)
[2] ) ص 152
[3] ) رواه البخاري في (النكاح)، باب (لا يُنْكِحُ الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها)، برقم: 5136، ومسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق)، برقم: 1419.
[4] ) رواه مسلم في (النكاح)، باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت)، برقم: 1421.
[5] ) فقد جاء في حاشية ابن قاسم على الروض المربع جـ6 ص 256 ما نصه (قال الشيخ _ يعني ابن تيمية رحمه الله _ فالصحيح: أن البكر البالغة لا يجبرها أحد لما في الصحيحين: لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن) وهو قول أبي عبيد وأصحاب الرأي
[6] ) نشر في مجلة (الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد العشرون