في تسبيح الجماد
الآية : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}ْ {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }
لقد فصلت الاية الى عبارتين لعل الله يهدي بها من انحرف من المتمصوفة!! وظن ان كل شيء يسبح حقيقة حتى قال قائل منهم -للاسف- ان الاصنام والاوثان تسبح الله !!
والجواب :
(1). هذا يتنافى مع العدالة الالهية فكيف هذه الاصنام والاوثان تسبح لله ثم يكون مصيرها جهنم كما قال الله {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} وما فائدة ان يضع الاصنام وهي جمادات لا تحس ولا تشعر بالنار اذا لم يكن القصد زيادة في الاهانة والاستهزاء بهم وبها ، وزيادة في العذاب النفسي من كونهم يرونها تلقى في النار ولا تستطيع الدفاع عن نفسها فضلا عنهم !!
(2). ومثله يقال عن قوله تعالى بعدها "حليما غفورا" فلماذا قال غفورا مع انهم يسبحون له ولماذا هو حليم عليهم ما داموا يسبحون !!
وهذه اشارة من الفخر الرازي وما اجملها من اشارة
قال الفخر : كونهم بحيث لا يفقهون ذلك التسبيح جرم عظيم صدر عنهم وهذا إنما يكون جرما إذا كان المراد من تلك التسبيح كونها دالة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته، ثم إنهم لغفلتهم وجهلهم ما عرفوا وجه دلالة تلك الدلائل. أما لو حملنا هذا التسبيح على أن هذه الجمادات تسبح الله بأقوالها وألفاظها لم يكن عدم الفقه لتلك التسبيحات جرما ولا ذنبا، وإذا لم يكن ذلك جرما ولا ذنبا لم يكن قوله: إنه كان حليما غفورا لائقا بهذا الموضع
(3) . والحق الذي عليه اهل السنة :
1. انها دلالة على كمال قدرة الله لو كانوا ينظرون ويتفكرون في هذه المخلوقات
لا تفقهون تسبيحهم اي: يخاطب المشركين ، أيها المشركون لإخلالكم بالنظر الصحيح الذي به يفهم تسبيحهم (تفسير البيضاوي257/3)
فوجود الاشياء شاهدا على افتقارها إلى مدبر حكيم قادر قاهر
2. التسبيح المضاف إلى الجمادات ليس إلا بمعنى الدلالة على تنزيه الله تعالى وإطلاق لفظ التسبيح على هذا المعنى مجاز، وأما التسبيح الصادر عن المكلفين وهو قولهم: سبحان الله، فهذا حقيقة، فيلزم أن يكون قوله: تسبح لفظا واحدا قد استعمل في الحقيقة والمجاز معا، وأنه باطل على ما ثبت دليله في أصول الفقه، فالأولى أن يحمل هذا التسبيح على الوجه المجازي في حق الجمادات لا في حق العقلاء لئلا يلزم ذلك المحذور والله أعلم (الرازي 348/20)
3. ورد الفخر الرازي على من يقول دل هذا النص على كونها مسبحة لله تعالى ولا يمكن تفسير هذا التسبيح بكونها دلائل على كمال قدرة الله تعالى وحكمته
"أن القوم وإن كانوا مقرين بألسنتهم بإثبات إله العالم إلا أنهم ما كانوا عالمين بكمال قدرته ولذلك فإنهم استبعدوا كونه تعالى قادرا على الحشر والنشر فكان المراد ذلك" فكان ان أتى القران بأدلة لو تفحصوها ونظروا فيها متفكرين لأوصلتهم الى دليل القدرة . فهم ما كانوا عالمين بهذا الدليل فلما ذكر هذا الدليل قال: تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن فتسبيح السموات والأرض ومن فيهن يشهد بصحة هذا الدليل وقوته وأنتم لا تفقهون هذا الدليل ولا تعرفونه، بل نقول: إن القوم كانوا غافلين عن أكثر دلائل التوحيد والعدل
3. كان الحسن البصري والكلبي يقولان: إن الجبل يسبح؛ فإذا قطع منه شيء لم يسبح المقطوع ويسبح الأصل، وكذلك الشجرة ما قطع منها لم يسبح، وتسبح هي، ولكن لا تفقهون تسبيحهم
4. قال الواحدي في التفسير : المراد بالتسبيح ههنا الدلالة على أن الله عز وجل خالق حكيم مبرأ من الأسوأ، والمخلوقون والمخلوقات كلها تدل على أن الله خالقها، كما قال ابن عباس فِي قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي: يخشع ويخضع
5. وقال البيضاوي :
يسبحه : أي ينزهه عما هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته