بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
والحمد لله رب العالمين
لا احصي ثناء عليه هو كما اثنى على نقسه
واصلي واسلم وابارك على سيدي رسول الله المعلم الاول والهادي الى الصراط المستقيم وعلى اله الطبيبن الطاهرين واصحابه الغر الميامبن رضي الله عنهم اجمعين وعنا بهم الى يوم الدين
ايها الاخوة الاحبة
اعلموا انه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
فالفقه سبب لهذا الخير العميم من الله
قال تعالى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا
قال الامام مالك : الفقه في الدين
واعلموا أن (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ)
(وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)
هذِهِ المدونة، نهجتُ فيْهَا سبيْلَ الإيْجَاز والإختصَار، ,غايَتي مِن ذلِك توصيل المعلومة للمسلم باقصر الطرق
وألحقتُ بذلك الادلة
والشواهد من الكتاب والسنة المطهرة، وأثر الصحابة رضوان الله عليهم، وذكرتُ ائمة وفقهاء المذاهب الاربعة في منهج الاستدلال لديهم
ا وركزت على مواضع الخلاف بين المذاهب الاربعة وحرصت على منهجيه فيها اظهار الاجماع ....
سائلاً اللهَ عزَّوجل الإعَانَة ، واللطف في الأمر كلِّهِ ، وأنْ يَجعلَ مَا اكتبُهُ خالصَاً لوجههِ الكريْم
....وان يختم لي بالصالحات وحسن المآب معافاً في ديني وسالما في معتقدي
اللهم امين
الشيخ د. زياد حبوب أبو رجائي

عيد الام ..ومقاصد الشريعة

ان مقاصدَ الشريعة السمحةِ في علاقة الابوين :الإحسانُ والرحمةُ اليهما والصحبةُ بالمعروف والدعاءُ لهما...يأتي يوم الام العالمي لتحقيق هذه المقاصد..بل يؤكد حاجتنا الماسة الى ذلك .. 

ولو تأملنا سيرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لتوقفنا كثيرا عند قوله 'ونحن أحقُ بموسى منهم' (!!) عندما علم [أمرا محمودا] يقوم به يهودُ المدينة من صوم عاشوراء تعظيما للنبي موسى ..كما سأبين لاحقاُ. 

تكريم الام أصل من أصول شريعتنا ولا ريب في ذلك. وجرت الفتاوى على المنع والتحريم لعلة قياسية بالتشبه بالكفار! واستنباط الحكم هكذا من عدة نصوص، فانه يوشي بظنيةٍ مُغرقة في القياس في ظل عدم وحود نص قاطع الدلالة يحرم الاحتفال بالام وتكريمها بما يليق بمقام الوالدين الذي اقترن بمقام العبودية لله في اربع مواضع في القران الكريم:- 

{لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 

{أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} 

ومن باب الاحسان لها كمدخل لخفض جناح الذل من الرحمة و والقول الكريم والدعاء لها تتضح الصورة اكثر … 

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} 

وقد توافرت النصوص من الاحاديث النبوية التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم بشأن اعلاء مكانتها ومنزلتها في الاسلام احتفاءً خاصاً لا يعلوه حال وهو حسن الصحبة: 

{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } 

قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» . قال: ثم من؟ قال: «أمك» . قال: ثم من؟ قال «أمك» . قال: ثم من؟ قال: «أبوك» . وفي رواية قال: «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك» اي: الاقرب قالاقرب 

وقد رد رسول الله مسلما عن الجهاد: 

يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها. 


تفنيد أدلة المانعين 

لم أرَ دعوى تتكرر عند الحوار مع من يُحرّم الاحتفال بالعيد قياسه بالتشبه بالكفار وهي تحتاج الى تفنيد لجلاء الافهام التي تتحدث عن ذلك وكأن المسألة وردت بخصوص هذا الاحتفال!! 

أما باقي ما يستدلون عليه هي دعاوي ساقطة التبرير والحجة لانها صُوَرٌ مصطنعة في أوهام من يردُّ بها. فمنها: 

•ان هذا اليوم يرتبط بالاعياد وهي ذات طبيعة تعبدية توقيفية على الشرع - الا ان واقع هذه المسألة اليوم هو عكس ما يظنون اذ ان الصورة التخيلية منتفية من الواقع فلا يوجد مسلم في العالم يظن انّ عيدَ الام عيدٌ دينيٌ فضلا على انه مقصود تعبدي لذاته!! 


•ومن يُحولها من عادة الى عبادة لمجرد التكرار في نفس اليوم وكثرة ذلك فهذا ليس خلطاً وتعسفا لا طائل منه فحسب؛ بل يحتاج الى دليل نقلي او حتى عقلي. 


وهذا الاحتفال ليس من العبادات التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى ، بل هو اجتماع لإظهار الفرح والسرور، فالعادات الاصل فيها الاباحة ما لم تصطدم بنص صريح وصحيح سواء قطعي الدلالة او يقوى بغلبة الظن! 

•واذا تقرر انها عادة من العادات الانسانية التي لها اصل من الشريعة ولا يوجد نص يحرمها لذلك لا تدخل في إحداث بدعة في الشرع وقد تناولت مسألة البدعة في مقال مستقل..! 


•مسألة التشبه بالكفار : 


1.اجمع اهل السنة انه ليس كل تشبه حرام فهناك ما هو مباح فليس على اطلاقها .. والتشبه بمفهومه الشرعي:هو محاكاتهم في شيء من عقائدهم أو عباداتهم أو عاداتهم المنبثقة عن معتقداتهم على وجه الخصوص… 


2.كما ذكرنا انفا ان رسول الله قام بتقليدهم وتشبه بهم !!بعاشوراء صياما؛ قال الامام ابن عبدالبر في لطائف المعارق ص49 : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له [وكان يحب موافقتهم] فيما لم يؤمر به صامه وأمر الناس بصيامه وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم وهذا دليل على اباحته ما دام لم يقف على حدود نص شرعي.. 


3.ان لا يكون من خصائص دينهم!! ومن يتتبع ظهور عيد الام لدى الامم الاخرى سيكتشف انه كان لتكريم الام وليس له علاقة بدين اي أمة كما جاء في الموسوعة العالمية الحرة.. 


4.تحوُّل هذا العيد الى احتفالية عالمية منشرة بين كافة الأمم اخرجه من حيز خصائصهم الى دائرة الانسانية؛ واسقط دعوى قصد محاكاة الكفار في دينهم ومعتقداتهم فقد اجمع اهل السنة والجماعة على قاعدة [كل ما زال اختصاصه بالكفار من العادات فإنه ليس من التشبه] فإنه يجوز للناس أن يقوموا بها، لأن ذلك لم يعد مما يتميز به الكفار.. 


لذلك تسقط الدعوى الذرائعية في اصل الفعل بانه تشبه بالكفار … ولذا اي احتفال يغلب الظن انه تشبه بالكفار فانه يحرم وينظر الى المصلحة الراجحة لمجموع الامة؛ لان الفعل اذا كان يُفضي الى مفسده فانه ينهى عنه … 

جاء في فتوى الدكتور الشيخ نوح القضاة قدّس الله روحه ونور ضريحه:سئل إذا أهديت أمي هدية بعيد الأم حلال أم حرام؟ فأجاب رحمه الله:لا بأس بذلك إلا إذا كان القصد التشبه بالكفار. والله تعالى أعلم. 

وعليه: 

يجوز الاحتفال بعيد الام بعدم استحلال ذلك عبادة شرعية او ان يراد منه قصدا التشبه بالكفار..